للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْلَكُ الثَّانِي: النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ

قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ" وَنَعْنِي بِالنَّصِّ: مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْعِلَّةِ ظَاهِرَةً، سَوَاءٌ كَانَتْ قَاطِعَةً أَوْ مُحْتَمَلَةً.

أَمَّا الْقَاطِعُ: فَمَا يَكُونُ صَرِيحًا، وَهُوَ قَوْلُنَا: لِعِلَّةِ كَذَا، أَوْ لِسَبَبِ كَذَا، أَوْ لِمُؤَثِّرِ كَذَا، أَوْ لِمُوجِبِ كَذَا، أَوْ لِأَجْلِ كَذَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} ١.

وَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ قَاطِعًا فَثَلَاثَةٌ: اللَّامُ، وَإِنَّ، وَالْبَاءُ.

أَمَّا اللَّامُ: فَكَقَوْلِنَا ثَبَتَ لِكَذَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ٢.

وَأَمَّا "إِنَّ" فَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ" ٣.

وَأَمَّا الْبَاءُ: فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ٤

هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ.

قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: مَتَى وجدنا في كلام الشارع ما يد ل عَلَى نَصْبِهِ أَدِلَّةً وَإِعْلَامًا ابْتَدَرْنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى مَا يُسْلَكُ.

وَاعْلَمْ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأَخْذِ بِالْعِلَّةِ إِذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلِ الْأَخْذُ بِهَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ، أَمْ مِنَ الْعَمَلِ بِالنَّصِّ؟

فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْجُمْهُورُ، وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي النَّافُونَ لِلْقِيَاسِ، فَيَكُونُ الْخِلَافُ عَلَى هَذَا لَفْظِيًّا، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَهُونُ الخطب، ويصغر ما تعاظم مِنَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

قَالَ ابْنُ فُورَكَ: إِنَّ الْأَخْذَ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ لَيْسَ قِيَاسًا وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِمْسَاكٌ بِنَصِّ لَفْظِ الشَّارِعِ، فَإِنَّ لَفْظَ التَّعْلِيلِ إِذَا لَمْ يَقْبَلِ التَّأْوِيلَ عَنْ كُلِّ مَا تَجْرِي الْعِلَّةُ فِيهِ، كَانَ الْمُتَعَلِّقُ به مستدلا بلفظ قاضٍ بالعموم٥.


١ جزء من الآية ٣٢ من سورة المائدة.
٢ جزء من الآية ٥٦ من سورة الذاريات.
٣ أخرجه أبو داود من حديث كبشة رضي الله عنها، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة ٧٥. والترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة ٩٢. والنسائي، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة ١/ ٥٥، ٦٨.
وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك ٣٦٧. ومالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء ١٣. وابن حبان في صحيحه ١٢٩٩. الحاكم. كتاب الطهارة ١/ ١١٠. والبيهقي، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة ١/ ٢٤٥.
٤ جزء من الآية ١٣ من سورة الأنفاق، والآية ٤ من سورة الحشر.
٥ ذكر الزركشي هذا الكلام في البحر المحيط ٥/ ١٨٦ ونسبه إلى الإمام الجويني في البرهان.

<<  <  ج: ص:  >  >>