الحمد لله مصور النسم في ظلمات الأرحام، مقدر القسم للأنام، مشرع الأحكام، مبين الحلال والحرام، محكم أصول الشريعة المنيعة بالتمام، ومنضج ثمار فروعها المتصلة بكتابه أفضل الإحكام، بسنة نبيه الناسخ كل شريعة ماضية بشريعة الإسلام، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام.
ونشهد ألا إله إلا الله شهادة راسخة في صميم القلب، تؤمل صاحبها برضى الرب، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي رفع عن الأمة باليسر كل عسير وصعب، عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما يدفعان عنا كل كرب.
وبعد:
فلما كان الهدف من وجود الإنسان هو تحقيق العبودية لله عز وجل، وبما أنه سبحانه وتعالى لم يكلنا إلى أنفسنا في تحقيق ذلك، بل أرسل إلينا الرسل، وأيدهم بالوحي الأمين، فلا بد لنا من معرفة وفهم مرامية وأهدافه، وما فيها من التعاليم التي تصلح لنا المعاش والمعاد، فكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما النبعان الصافيان اللذان تكفلا بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة لمن تمسك بهما.
ولكن لما فسدت السليقة، ودخلت العجمة، وأصابت اللسان آفة اللحن، لم يتسن لكل فرد من أفراد هذه الأمة هذا الفهم، بل اختص بأناس توفرت فيهم شروط وميزات تؤهلم لذلك، فأحاطوا بدقائق علم خاص سموه علم "أصول الفقه"، فلذلك نص العلماء على أن حكم تعلمه فرض كفاية لحاجة الأمة إلى استنباط الأحكام الشرعية للحادثات المتجددة.
وبرعت أقلام العلماء في وصف علم أصول الفقه، فقال الإمام الإسنوي:
هو المعلم الذي يكون المجتهد المبدع، والفقيه المثمر، ويقضي على أكذوبة غلق باب الاجتهاد، ويذهب أسطورة سد طريق الاستنباط، وأنه لا يمكن أن يستغني عنه من أراد أن يتأهل للنظر والاجتهاد أو من يهتم بعلم الفقه والخلاف.
وقال الإمام الغزالي:
هو العلم الذي ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، فأخذ من صفوة