للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْهِنْدِيُّ١: هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى الْمُعْجِزَةِ فِي التَّحَدِّي، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إِلَيْهَا كَانَ امْتِنَاعُهُ عَقْلًا.

وَهَكَذَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، لِدَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَأَمَّا الْكَذِبُ غَلَطًا فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ: بِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ عَمْدًا لَا خَطَأً، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَوْلَى. وَأَمَّا الصَّغَائِرُ الَّتِي لَا تُزْرِي بِالْمَنْصِبِ، وَلَا كَانَتْ مِنَ الدَّنَاءَاتِ، فَاخْتَلَفُوا هَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا جَازَتْ هَلْ وَقَعَتْ مِنْهُمْ أَمْ لَا؟ فَنَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِلْكِيَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ عَقْلًا، وَكَذَا نَقْلَ ذَلِكَ عَنِ الْأَكْثَرِينَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَنَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ٢ عَنِ الْأَكْثَرِينَ -أَيْضًا- عَدَمَ الْوُقُوعِ.

قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ أَنَّهُ ليس في الشرع قاطع ذَلِكَ نَفْيًا أَوْ إِثْبَاتًا، وَالظَّوَاهِرُ مُشْعِرَةٌ بِالْوُقُوعِ.

وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ تَجْوِيزَ الصَّغَائِرِ وَوُقُوعَهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ٣ جماعة مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ. قَالُوا وَلَا بُدَّ مِنْ تَنْبِيهِهِمْ عَلَيْهِ إِمَّا فِي الْحَالِ عَلَى رَأْيِ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، أَوْ قَبْلَ وَفَاتِهِمْ عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ.

وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ٤ فِي "الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ"٥ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، وَابْنِ فُورَكَ، أَنَّهُمْ


١ هو محمد بن عبد الرحيم، أبو عبد الله، صفي الدين، الشافعي، المتكلم على مذهب الأشعري توفي سنة خمس عشرة وسبعمائة هجرية، من آثاره: "الزبدة" "الفائق"، في علم الكلام، و"النهاية"، "الرسالة السيفية" في أصول الفقه، ا. هـ. شذرات الذهب "٦/ ٣٧" كشف الظنون "٢/ ١٢١٧".
٢ هو عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن، الشيخ الإمام، المفسر العلامة، أبو نصر، اعتنى به أبوه، وأسمعه وأقرأه حتى برع في العربية والنظم والنثر، توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة هجرية. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "١٩/ ٤٢٤"، هدية العارفين "١/ ٥٥٩"، شذرات الذهب "٤/ ٤٥".
٣ هو محمد بن جرير، من أهل آمل طبرستان، ولد سنة أربع وعشرين وأربعمائة هـ، توفي سنة عشر وثلاثمائة هجرية، في بغداد، وهو فقيه، مفسر، محدث، أصولي من آثاره: "اختلاف الفقهاء" "تاريخ الأمم والملوك" "تهذيب الآثار". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "١٤/ ٢٦٧"، معجم المؤلفين "٩/ ١٤٧"، الأعلام "٦/ ٦٩".
٤ هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، عالم الأندلس في عصره، الإمام الأوحد ذو الفنون والمعارف، توفي مشردًا عن بلده من قبل الدولة، سنة ست وخمسين وأربعمائة هـ، من آثاره: "المحلى" ا. هـ. سير أعلام النبلاء "١٨/ ١٨٤"، شذرات الذهب "٣/ ٢٩"، الأعلام "٤/ ٢٥٤".
٥ واسمه: "الفصل بين أهل الأهواء والنحل" قال عنه التاج السبكي: هذا من أشر الكتب، وما برح المحققون من أصحابنا ينهون عن النظر فيه لما فيه من الازدراء بأهل السنة، وقد أفرط فيه في التعصب على أبي الحسن الأشعري حتى صرح بنسبته إلى البدعة ا. هـ. كشف الظنون "٢/ ١٨٢٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>