للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَقْلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَكَذَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي "الْمَنْخُولِ"١ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَتَبَّعُ مِثْلَ هَذَا وَيَقْتَدِي بِهِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ مَنْقُولٌ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ:

مَا احْتَمَلَ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْجِبِلَّةِ إِلَى التَّشْرِيعِ بِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ على وجه معروف وهيئة مخصصة"* كالأجل وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالنَّوْمِ، فَهَذَا الْقِسْمُ دُونَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَمْرُ الْقُرْبَةِ، وَفَوْقَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَمَرُ الْجِبِلَّةِ عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ. وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِرْشَادُ إِلَى بَعْضِ الْهَيْئَاتِ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ الْإِرْشَادُ إِلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالنَّوْمِ فَهَذَا خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ دَاخِلٌ فِيمَا سَيَأْتِي.

وَفِي هَذَا الْقِسْمِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ ومن معه، يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّشْرِيعِ، أَوْ إِلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ التَّشْرِيعُ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي. وَقَدْ حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ:

مَا عُلِمَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْوِصَالِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ فَهُوَ خَاصٌّ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَتَوَقَّفَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُمْنَعُ التَّأَسِّي بِهِ أَمْ لَا، وَقَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا نَقْلٌ لَفْظِيٌّ أَوْ مَعْنَوِيٌّ فِي أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا النَّوْعِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ عِنْدَنَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَهَذَا مَحَلُّ التَّوَقُّفِ.

وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ الْمَقَدِّسِيُّ٢ فِي "كِتَابِهِ" فِي الْأَفْعَالِ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْوَاجِبِ. فَقَالَ: لَيْسَ لِأَحَدٍ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيمَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَيُسْتَحَبُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَالضُّحَى وَالْوَتْرِ، وَكَذَا فِيمَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ كَأَكْلِ ذِي الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَطَلَاقِ مَنْ تُكْرَهُ صُحْبَتُهُ.

وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِيمَا صُرِّحَ لَنَا بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ إِلَّا بِشَرْعٍ يَخُصُّنَا، فَإِذَا قَالَ مَثَلًا: هَذَا وَاجِبٌ عَلَيَّ مَنْدُوبٌ لَكُمْ كَانَ فِعْلُنَا لِذَلِكَ الْفِعْلِ لِكَوْنِهِ أَرْشَدَنَا إِلَى كَوْنِهِ مندوبًا لنا لا


* في "أ": وجه مخصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>