للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ:

أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ، عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَمْرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ:

أَنَّ التَّأَسِّيَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ، حَتَّى لَوْ فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا عَلَى طَرِيقِ التَّطَوُّعِ وَفَعَلْنَاهُ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ لَمْ نَكُنْ مُتَأَسِّينَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ وُجُوبُ مَا فَعَلَهُ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى وُجُوبِهِ، فَلَوْ فَعَلْنَا الْفِعْلَ الَّذِي فَعَلَهُ مُجَرَّدًا عَنْ دَلِيلِ الْوُجُوبِ، مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا لَكَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي التَّأَسِّي.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ:

أَنَّ الطَّاعَةَ هي الإتيان بالمأمور أو المراد عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وجوب أفعاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَعْوَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ:

فَهُمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى كُلِّ فِعْلٍ يَبْلُغُهُمْ، بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْأَفْعَالِ عَلَى صِفَتِهَا الَّتِي هِيَ ثَابِتَةٌ لَهَا مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَالْوُجُوبُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لمذكورة مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْمَعْقُولِ:

فَالِاحْتِيَاطُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا خَلَا عَنِ الْغَرَرِ قَطْعًا، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ حَرَامًا عَلَى الْأُمَّةِ وَإِذَا احْتَمَلَ لَمْ يَكُنِ الْمَصِيرُ إِلَى الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لِلنَّدْبِ

وَقَدْ حَكَاهُ الْجُوَيْنِيُّ فِي "الْبُرْهَانِ" عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ نُسِبَ إِلَى الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ"١: أَنَّهُ حَكَاهُ عَنِ الْقَفَّالِ٢ وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ٣ وَاسْتَدَلُّوا بِالْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

أما القرآن فقوله تعالى: {لقَدْ كَانَتْ لَكُم في رسول اللهْ أُسْوَةٌ حَسَنَة} ٤، ولو كان التأسي


١ واسمه "البحر المحيط في الأصول" للإمام الزركشي. ا. هـ. كشف الظنون "١/ ٢٢٦".
٢ هو محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر، الإمام العلامة، الفقيه، الأصولي، اللغوي عالم خراسان الشافعي، القفال، الكبير، توفي سنة ست وثلاثين وثلاثمائة هـ، من آثاره: "دلائل النبوة" "محاسن الشريعة". ا. هـ. سير أعلام البنلاء "١٦/ ٢٨٣"، شذرات الذهب "٣/ ٥١" هدية العارفين "٢/ ٤٨".
٣ هو أحمد بن بشر بن عامر، المروزي، أبو حامد، شيخ الشافعية، مفتي البصرة، توفي سنة اثنتين وستين وثلاثمائة هـ، من أثاره: "الجامع" في المذهب "شرح مختصر المزني" ا. هـ. سير أعلام النبلاء "١٦/ ١٦٦"، شذرات الذهب "٣/ ٤٠"، هدية العارفين "١/ ٦٦".
٤ جزء من الآية "٢١" من سورة الأحزاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>