للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ التَّخْيِيرُ.

الثَّانِي: تَقْدِيمُ الْمُتَأَخِّرِ، كَالْأَقْوَالِ إِذَا تَأَخَّرَ بَعْضُهَا.

الثَّالِثُ: حُصُولُ التَّعَارُضِ وَطَلَبُ التَّرْجِيحِ مِنْ خَارِجٍ، قَالَ: كَمَا اتُّفِقَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ صُلِّيَتْ عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ صِفَةً، قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ يُرَجَّحُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَقَدَّمَ بَعْضُهُمُ الْأَخِيرَ مِنْهَا إِذَا عُلِمَ، انْتَهَى.

وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ رُشْدٍ١ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَفْعَالِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَقْوَالِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ٢: يَجُوزُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ، وَإِنْ جُهِلَ فَالتَّرْجِيحُ وَإِلَّا فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ كَالْقَوْلَيْنِ.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ فَلَا تَعَارُضَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي "الْمَنْخُولِ": إِذَا نُقِلَ فِعْلٌ وَحُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ ثُمَّ نُقِلَ فِعْلٌ يُنَاقِضُهُ فَقَالَ الْقَاضِي٣: لَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتَهَى "لِمُدَّةِ"* الْفِعْلِ الْأَوَّلِ. قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ مُجَاهِدٍ٤ إِلَى أَنَّهُ نَسْخٌ وَتَرَدَّدَ فِي الْقَوْلِ الطَّارِئِ عَلَى الْفِعْلِ وَجَزَمَ إِلْكِيَا بِعَدَمِ تَصَوُّرِ تَعَارُضِ الْفِعْلَيْنِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا عُلِمَ بِدَلِيلٍ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ إِدَامَتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِأَنَّهُ يَكُونُ مَا بَعْدَهُ نَاسِخًا لَهُ، قَالَ: وَعَلَى مِثْلِهِ بَنَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ.

وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَارُضُ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّهُ لَا صِيَغَ لَهَا يُمْكِنُ النَّظَرُ فِيهَا وَالْحُكْمُ عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ أَكْوَانٍ مُتَغَايِرَةٍ وَاقِعَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَقَعْ بَيَانَاتٌ لِلْأَقْوَالِ، أَمَّا إِذَا وَقَعَتْ بَيَانَاتٌ لِلْأَقْوَالِ فَقَدْ تَتَعَارَضُ فِي الصُّورَةِ وَلَكِنَّ التَّعَارُضَ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلى المبينات من


* في "أ": مدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>