للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْسُنُ فِيهِ، الْأَمْرُ وَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْحَقَائِقَ مُتَصَوَّرَةٌ تَصَوُّرًا بَدِيهِيًّا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْتَ: الْخَبَرُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَلْفَاظِ وَأَنْوَاعُ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ تَصَوُّرَاتُهَا بَدِيهِيَّةً، فَكَيْفَ قُلْتَ: إِنَّ مَاهِيَّةَ الْخَبَرِ مُتَصَوَّرَةٌ تَصَوُّرًا بَدِيهِيًّا؟

قُلْتُ: حُكْمُ الذِّهْنِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَهُ الْآخَرُ وَلَيْسَ لَهُ الْآخَرُ مَعْقُولٌ وَاحِدٌ، لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يُدْرِكُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَجِدُ تَفْرِقَةً بَيْنِهِ وَبَيْنَ سَائِرِ أَحْوَالِهِ النَّفْسَانِيَّةِ مِنْ أَلَمِهِ وَلَذَّتِهِ وَجُوعِهِ وَعَطَشِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْخَبَرِ هُوَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ فَلَا شَكَّ أَنَّ تَصَوُّرَهُ فِي الْجُمْلَةِ بَدِيهِيٌّ مَرْكُوزٌ فِي فِطْرَةِ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ اللَّفْظَةَ الدَّالَّةَ عَلَى هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ فَالْإِشْكَالُ غَيْرُ وَارِدٍ أَيْضًا. لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى بَدِيهِيُّ التَّصَوُّرِ، انْتَهَى.

وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّفْظُ الدَّالُّ وَالْإِشْكَالُ وَارِدٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطَلَّقَ اللَّفْظِ الدَّالِّ بَدِيهِيُّ التَّصَوُّرِ.

وَقَدْ أُجِيبَ عَمَّا ذَكَرَهُ بِأَنَّ كَوْنَ الْعِلْمِ ضَرُورِيًّا كَيْفِيَّةٌ لِحُصُولِهِ، وَأَنَّهُ يَقْبَلُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ وَالَّذِي لَا يَقْبَلُهُ هُوَ نَفْسُ الْحُصُولِ الَّذِي هُوَ مَعْرُوضُ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِالضَّرُورَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِتَنَافِيهِمَا.

وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمَعْلُومَ ضَرُورَةً إِنَّمَا هُوَ نِسْبَةُ الْوُجُودِ إِلَيْهِ إِثْبَاتًا، وَهُوَ غَيْرُ تَصَوُّرِ النِّسْبَةِ الَّتِي هِيَ مَاهِيَّةُ الْخَبَرِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَاهِيَّةُ الْخَبَرِ ضَرُورِيَّةً.

وَقِيلَ: إِنَّ الْخَبَرَ لَا يُحَدُّ لِتَعَسُّرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ١.

وَقِيلَ: الْأَوْلَى فِي حَدِّ الْخَبَرِ أَنْ يُقَالَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَحْكُومُ فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَارِجِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قُمْ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الطَّلَبُ نَفْسُهُ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْعِرَ بِأَنَّ لَهُ مُتَعَلِّقًا وَاقِعًا فِي الْخَارِجِ. وَكَذَا يُخْرِجُ جَمِيعَ الْمُرَكَّبَاتِ التَّقْيِيدِيَّةِ٢ وَالْإِضَافِيَّةِ.

وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ النِّسْبَةَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ لَمْ يَصِحَّ فِي مِثْلِ اجْتِمَاعِ الضدين وشريك الباري*.


* ف "أ" زيادة وهي: معدوم محال.

<<  <  ج: ص:  >  >>