للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون} ١ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَكَمَ "عَلَيْهِمْ"* فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمًا مُؤَكَّدًا بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ {إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} مَعَ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ فَلَوْ كَانَ لِلْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ أَوْ لِعَدَمِهَا مَدْخَلٌ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لَمَا كَانُوا كَاذِبِينَ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ هَذَا مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ ولا واسطة بن الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ التَّكْذِيبَ رَاجِعٌ إِلَى خَبَرٍ تَضَمَّنَهُ مَعْنَى: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وَهُوَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ هَذِهِ مِنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ وَخُلُوصِ الِاعْتِقَادِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ سِيَّمَا بعد تأكيده بـ"إن وَاللَّامِ وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ".

وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّ التَّكْذِيبَ رَاجِعٌ إِلَى زَعْمِهِمُ الْفَاسِدِ وَاعْتِقَادِهِمُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ.

وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّ التَّكْذِيبَ رَاجِعٌ إِلَى حَلِفِهِمُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بقوله تعالى: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَل} ٢.

وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْأَجْوِبَةِ مِنْ مَزِيدِ التَّكَلُّفِ، وَلَكِنَّهُ أَلْجَأَ إِلَى الْمَصِيرِ إِلَيْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا الْعَقْلُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ "فَأَخْبَرَ عَنْ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ"**، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ كَذَبَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، بَلْ يُقَالُ: أَخْطَأَ أَوْ وَهِمَ.

الثَّانِي: أَنَّ أَكْثَرَ الْعُمُومَاتِ وَالْمُطْلَقَاتِ مُخَصَّصَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَلَوْ كَانَ الْخَبَرُ الَّذِي لَا يُطَابِقُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ كَذِبًا لتطرق الكذب إِلَى كَلَامِ الشَّارِعِ.

وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ صِدْقَ الْخَبَرِ مُطَابَقَتُهُ "لِلْوَاقِعِ"*** وَكَذِبَهُ عَدَمُهَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِد} ٣ فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَعَ كَوْنِهِمْ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينْ} ٤، والآيات في هذا المعنى كثيرة.


* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>