للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ تَمَامِ هَذَا الشَّرْطِ: أَنْ لَا تَكُونَ الْمُشَاهَدَةُ، وَالسَّمَاعُ عَلَى سَبِيلِ غَلَطِ الْحِسِّ، كَمَا فِي أَخْبَارِ النَّصَارَى بِصَلْبِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عَلَى صِفَةٍ يُوثَقُ مَعَهَا بِقَوْلِهِمْ، فَلَوْ أَخْبَرُوا مُتَلَاعِبِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يُوثَقْ بِخَبَرِهِمْ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

أَنْ يَبْلُغَ عَدَدُهُمْ إِلَى مَبْلَغٍ يَمْنَعُ فِي الْعَادَةِ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَا يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ ضَابِطُهُ: حُصُولُ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِهِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرَيِّ: يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرُ الْأَرْبَعَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ لَمَا احْتَاجَ الْحَاكِمُ إِلَى السُّؤَالِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ إِذَا شَهِدُوا عِنْدَهُ.

وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ: ذَهَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ فَمَا زَادَ، وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنِ الْجُبَّائِيِّ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَدَدُ أُولِي الْعَزْمِ١ مِنَ الرُّسُلِ "وَهُمْ"* عَلَى الْأَشْهُرِ، نُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الضَّعْفِ، مَعَ عَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا سَبْعَةً، بِعَدَدِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عَشَرَةٌ، وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ مَا دُونَهَا جَمْعُ قِلَّةٍ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْ عَشَرَ بِعَدَدِ النُّقَبَاءِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُمْ جُعِلُوا كَذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِخَبَرِهِمْ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا عِشْرِينَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُون} ٢، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ بِهِ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا جُعِلُوا كَذَلِكَ لِيُفِيدَ خَبُرُهُمُ الْعِلْمَ بإسلامهم، فإن المقام ليس مقام "إخبار"**، خبر وَلَا اسْتِخْبَارٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أبي الهذيل٣ وغيره من المعتزلة.


* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": خبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>