للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ "الْقَاسَانِيُّ"* مِنْ أَهْلَ الظَّاهِرِ، وَالشِّيعَةُ: مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا.

وَيُجَابُ عَنْ هَذَا: بِأَنَّهُ عَامٌّ مُخَصَّصٌ، لِمَا ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ مِنَ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي طَرِيقِ إِثْبَاتِهِ، فَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ قَالُوا يَجِبُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ.

وَقَالَ أحمد بن حنبل، والقفال، "وابن سريج"**، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ١ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ، وَالصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ، لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَى مَعْرِفَةِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الْوَارِدِ عَنِ الْوَاحِدِ.

وَأَمَّا دَلِيلُ السَّمْعِ: فَقَدِ اسْتَدَلُّوا مِنَ الْكِتَابِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ} ٢، وَبِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة} ٣، وَمِنَ السُّنَّةِ بِمِثْلِ قِصَّةِ أَهْلِ قِبَاءٍ لَمَّا أَتَاهُمْ وَاحِدٌ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ تَحَوَّلَتْ فَتَحَوَّلُوا وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ٤.

وَبِمِثْلِ بَعْثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَّالِهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ بَعَثُهُ بِالْفَرْدِ مِنَ الرُّسُلِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ.

وَمِنَ الْإِجْمَاعِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَشَاعَ ذَلِكَ وَذَاعَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَلَوْ أَنْكَرَهُ مُنْكِرٌ لَنُقِلَ إِلَيْنَا وَذَلِكَ يُوجِبُ الْعِلْمَ الْعَادِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ كَالْقَوْلِ الصَّرِيحِ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ٥: وَمَنْ تَتَبَّعَ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَجُمْهُورِ الْأُمَّةِ مَا عَدَا هَذِهِ الفرقة اليسيرة علم ذلك قطعًا انتهى.


* في "أ": القاشاني.
** في "أ": ابن شريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>