للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجاب عن هذا الجواب: أن إِخْلَالَهُ بِأُمُورِ دِينِهِ إِلَى حَدٍّ يَجْهَلُ مَعَهُ مَا يُوجِبُ الْفِسْقَ يَدُلُّ أَبْلَغَ دِلَالَةٍ عَلَى اجْتِرَائِهِ عَلَى دِينِهِ وَتَهَاوُنِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: مَجْهُولِ الْحَالِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ بِرِوَايَةِ عَدْلَيْنِ عَنْهُ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ: أَنَّ رِوَايَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ١: تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ اكْتِفَاءً بِسَلَامَتِهِ مِنَ التَّفْسِيقِ ظَاهِرًا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ إِنْ كَانَ الرَّاوِيَانِ أَوِ الرُّوَاةُ عَنْهُ لَا يَرْوُونَ عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَدْلًا فِي الظَّاهِرِ وَمَجْهُولَ الْعَدَالَةِ فِي الْبَاطِنِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ مَا لَمْ يُعْلَمِ الْجَرْحُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ تُعْلَمِ الْعَدَالَةُ، وَحَكَاهُ الْكِيَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ، وَذَكَرَ الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ قَيَّدُوا الْقَوْلَ بِالْقَبُولِ بِصَدْرِ الْإِسْلَامِ، بِغَلَبَةِ الْعَدَالَةِ عَلَى النَّاسِ إِذْ ذَاكَ، قَالُوا وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فِي زَمَانِنَا فَلَا يُقْبَلُ لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ وَقِلَّةِ الرَّشَادِ.

وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: بِالْوَقْفِ -إِذَا رَوَى التَّحْرِيمَ- إِلَى ظُهُورِ حَالِهِ، "وَأَمَا"* مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ وَلَمْ يروِ عَنْهُ إِلَّا راوٍ وَاحِدٌ فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الرَّاوِي إِلَّا مُجَرَّدَ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ لَا يَرْوِي إِلَّا عَنْ عَدْلٍ كَابْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ معين ويحيى القطان٢ فإنه "يكفي"** وَتَرْتَفِعُ عَنْهُ الْجَهَالَةُ الْعَيْنِيَّةُ وَإِلَّا فَلَا.

وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: إِنْ زَكَّاهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، مَعَ رِوَايَتِهِ، عَنْهُ وَعَمَلِهِ بِمَا رَوَاهُ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ تَصَرُّفِ ابْنِ حِبَّانَ فِي "ثِقَاتِهِ" فإنه يحكم برفع الجهالة برواية واحدة.


* في "أ": ولنا.
** في "أ": تنتفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>