للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذَّهَبِيُّ وَالْمِزِّيُّ١ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ وَلَوْ سَلَّمَنَا أَنَّ لَهُ أَصْلًا لَمْ يَصْلُحْ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّ صِدْقَ الْمَجْهُولِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ صِدْقُهُ وَكَذِبُهُ مُسْتَوِيَانِ وإذا عرفت هذا فلا يصدهم مَا اسْتَشْهَدُوا بِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يصح بمثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ" ٢ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ وَبِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ يَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ فَقَالَ: "كَانَ ظَاهِرُكَ عَلَيْنَا" ٣، وَبِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّمَا نُؤَاخِذُكُمْ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ" ٤.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الضَّبْطُ

فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي ضَابِطًا لِمَا يَرْوِيهِ لِيَكُونَ الْمَرْوِيُّ لَهُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْهُ فِي حِفْظِهِ وَقِلَّةِ غَلَطِهِ وَسَهْوِهِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ رُدَّتْ رِوَايَتُهُ إِلَّا فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَغْلَطْ فِيهِ وَلَا سَهَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْغَلَطِ قُبِلَ خَبَرُهُ إِلَّا فِيمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، كَذَا قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: مَنْ أَخْطَأَ فِي حَدِيثٍ فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْخَطَأِ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ لِذَلِكَ حَدِيثُهُ، وَمَنْ كَثُرَ بِذَلِكَ خَطَؤُهُ وَغَلَطُهُ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى حِفْظِ الْحِكَايَةِ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ٥ فِي "الْعِلَلِ"٦: كُلُّ مَنْ كَانَ مُتَّهَمًا في الحديث بالكذب، أو كان مغفلًا


١ هو يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف القضاعي، الكلبي الحلبي الدمشقي، الحافظ جمال الدين أبو الحجاج، محدث، حافظ، مشارك في الأصول والفقه والنحو، ولد سنة أربع وخمسين وستمائة هـ، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة هـ، من آثاره: "أطراف الكتب الستة" خمس مجلدات "تهذيب الكمال في أسماء الرجال". ا. هـ. معجم المؤلفين "١٣/ ٣٠٨"، هدية العارفين "١/ ٥٥٦"، الأعلام "٨/ ٢٣٦"، شذرات الذهب "٦/ ١٣٦".
٢ أخرجه البخاري: من حديث أم سلمة، كتاب المظالم والغصب، باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه "٢٤٥٨" ومسلم، كتاب الأقضية باب بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطن "١٧١٣" وابن ماجة كتاب الأحكام، باب قضية الحاكم لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالًا "٢٣١٧". والترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في التشديد على من يُقضى له بشيء ليس له أن يأخذه "١٣٣٩" بنحوه وقال: حسن صحيح.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه "٥٠٧٠"، والبيهقي في السنن، كتاب آداب القاضي، باب من قال: ليس للقاضي أن يقضي بعلمه "١٠/ ١٤٣". والنسائي، كتاب آداب القاضي، باب الحكم بالظاهر "٥٤١٦" ٨/ ٢٣٣.
٣ أخرجه البيهقي في دلائل النبوة بلفظ: "فأما ظاهرًا منك كان علينا فافد نفسك" "٣/ ١٤٢" وابن كثير في "البداية والنهاية" "٣/ ٢٩٩" بلفظ: "أما ظاهرك فكان علينا والله أعلم بإسلامك".
٤ أخرجه البخاري، كتاب الشهادات باب الشهداء العدول "٢٦٤١" وذكره الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة موقوفًا على سيدنا عمر ر ضي الله عنه "١٧٨". وقال ابن حجر في التلخيص الحبير عن عمر رضي الله عنه قال: "إنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم" وفي الباب من حديث أبي سعيد الخدري "٢١٠٠".
٥ هو محمد بن عيسى بن سورة، الترمذي، الحافظ، الإمام البارع، الضرير، ولد سنة عشر ومائتين هـ، وحدث عن إسحاق بن راهويه، ومحمود بن غيلان، وغيرهم، توفي في ترمذ سنة تسع وسبعين ومائتين هـ.
ا. هـ. تذكرة الحافظ "٢/ ٦٣٥"، شذرات الذهب "٢/ ١٧٤"، سير أعلام النبلاء "١٣/ ٢٧٣".
٦ واسمه: "العلل في الحديث"، وهو مطبوع. انظر كشف الظنون "٢/ ١٤٤٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>