للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الرِّوَايَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَلْزِمَ ذلك الاقتصاد على البعض مفسدة.

الحال الرابع: أَنْ يَزِيدَ الرَّاوِي فِي رِوَايَتِهِ لِلْخَبَرِ عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ مَا زَادَهُ يَتَضَمَّنُ بَيَانَ سَبَبِ الْحَدِيثِ أَوْ تَفْسِيرَ مَعْنَاهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ مَا زَادَهُ حَتَّى يَفْهَمَ السَّامِعُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي.

قَالَ الْمَارَوْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ مِنَ الصَّحَابِيِّ زِيَادَةُ بَيَانِ السَّبَبِ لِكَوْنِهِ مُشَاهِدًا لِلْحَالِ وَلَا يَجُوزُ مِنَ التَّابِعِيِّ.

وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمَعْنَى: فَيَجُوزُ مِنْهُمَا، وَلَا وَجْهَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لِكُلِّ مَنْ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ مَعْرِفَةً صَحِيحَةً عَلَى مُقْتَضَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِشَرْطِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ وَبَيْنَ التَّفْسِيرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ بِمَا يَفْهَمُهُ السَّامِعُ.

الْحَالُ الخامس: إِذَا كَانَ الْخَبَرُ مُحْتَمِلًا لِمَعْنَيَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ فَاقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى تَفْسِيرِهِ بِأَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصِرُ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ هُوَ الصَّحَابِيَّ كَانَ تَفْسِيرُهُ كَالْبَيَانِ لِمَا هُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصِرُ غَيْرَ صَحَابِيٍّ وَلَمْ يَقَعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ هُوَ الْمُرَادُ فَلَا يُصَارُ إِلَى تَفْسِيرِهِ، بَلْ يَكُونُ لِهَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ حُكْمٌ هُوَ الْمُرَادُ الْمُشْتَرَكُ أَوِ الْمُجْمَلُ فَيَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى وُرُودِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ، والظاهر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِقُ بِمَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ وَيُخَلِّيهِ عَنْ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ الرَّاوِي لِذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا أَرَادَهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ بِمَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَادُ، فَقَدْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ فَكَيْفَ لَا يَسْأَلُونَهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْجُوَيْنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا ذَكَرَ خَبَرًا وَأَوَّلَهُ وَذَكَرَ الْمُرَادَ مِنْهُ فَذَلِكَ مَقْبُولٌ، قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: إِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا أَوَّلَ الصَّحَابِيُّ أَوْ خَصَّصَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ دَلِيلٍ وَإِلَّا فَالتَّأْوِيلُ الْمُعْتَضِدُ بِالدَّلِيلِ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ؛ لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلدَّلِيلِ لَا اتِّبَاعٌ لذلك التأويل.

الحال السادس: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ ظَاهِرًا فِي شَيْءٍ فَيَحْمِلُهُ الرَّاوِي مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ إِمَّا بِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ "إِلَى مَجَازِهِ"*، أَوْ بِأَنْ يَصْرِفَهُ عَنِ الْوُجُوبِ إِلَى النَّدْبِ أَوْ عَنِ التَّحْرِيمِ إِلَى الْكَرَاهَةِ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يُفِيدُ صَرْفَهُ عَنِ الظَّاهِرِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ إِلَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ وَلَا يُصَارُ إِلَى خِلَافِهِ لِمُجَرَّدِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَوْ فعله. وهذا هو الحق لأنا


* ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>