للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّبَرِيُّ أَنَّ التَّابِعِينَ بِأَسْرِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إِنْكَارُهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إِلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ انتهى.

ويجاب عن قوله من أرسل مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ

وَثِقَتِهِ فَقَدْ قَطَعَ لَكَ بِصِحَّتِهِ إِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَظُنُّ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ ثِقَةً عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَيَعْلَمُ غَيْرُهُ مِنْ حَالِهِ مَا يَقْدَحُ فِيهِ وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِ الطَّبَرِيِّ إِنَّهُ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ إِلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ "صَحِيحِهِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ مُرْسَلَ بَعْضِ التَّابِعِينَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ التَّابِعِيِّ ثِقَةً مُحْتَجًّا بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِمَا نَقَلَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا لَا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قِيلَ سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ وَإِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ.

وَنَقَلَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ١: أَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَنْ إِمَامِ التَّابِعِينَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ الْخَطِيبُ: لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ إِرْسَالَ الْحَدِيثِ الَّذِي لَيْسَ بِتَدْلِيسٍ هُوَ رِوَايَةُ الرَّاوِي عَمَّنْ لَمْ يُعَاصِرْهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ كَرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ٢ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ٣ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قِيلَ: هُوَ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ الْمُرْسَلُ ثِقَةً عَدْلًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ.

وَاخْتَلَفَ مُسْقِطُو الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الصَّحَابَةِ خَبَرًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمعه


١ هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه، الإمام الحافظ، العلامة النيسابوري الناقد، شيخ المحدثين، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة هـ، وتوفي سنة خمس وأربعمائة هـ، له تآليف تبلغ نحو "١٥٠٠" مؤلفًا، منها: "تاريخ نيسابور" "المستدرك على الصحيحين" "الإكليل" "المدخل". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "١٧/ ١٦٢"، معجم المؤلفين "١٠/ ٢٣٨"، الأعلام "٦/ ٢٢٧".
٢ هو ابن حواري رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عمته صفية: ابن الزبير بن العوام. عالم المدينة، أبو عبد الله القرشي، أحد الفقهاء السبعة، ولد سنة ثلاث وعشرين وتوفي سنة ثلاث وتسعين هـ، من كلامه: رب كلمة ذل احتملتها فأورثتني عزًّا طويلًا ا. هـ. سير أعلام النبلاء "٤/ ٤٢١"، تهذيب التهذيب "٧/ ١٨٠"، شذرات الذهب "١/ ١٠٣".
٣ هو ابن عبد الله، الإمام الحافظ القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبد الله القرشي التيمي المدني، ولد سنة بضع وثلاثين هـ، حدث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلمان وعائشة وغيرهم، وتوفي سنة ثلاثين ومائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "٥/ ٣٥٣"، شذرات الذهب "١/ ١٧٧"، تذكرة الحفاظ "١/ ١٢٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>