للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالنُّبُوَّةِ.

وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ حَالَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالنُّبُوَّةِ يَكُونُ تَكْلِيفًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَهُوَ مُحَالٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَامًا عِنْدَ الْمُشَاقَّةِ كَانَ اتِّبَاعُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاجِبًا عِنْدَ الْمُشَاقَّةِ لِأَنَّ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ ثَالِثًا وَهُوَ عَدَمُ الِاتِّبَاعِ أَصْلًا.

سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْمُشَاقَّةِ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ.

قَوْلُهُ: الْمُشَاقَّةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْكُفْرِ، وَإِيجَابُ الْعَمَلِ عِنْدَ حُصُولِ الْكُفْرِ مُحَالٌ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُشَاقَّةَ لا تحصل إلا مع الْكُفْرِ، بَيَانُهُ: أَنَّ الْمُشَاقَّةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ كَوْنِ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ فِي شِقٍّ وَالْآخَرِ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، وَذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ أَصْلُ الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ بَلَغَ حَدَّ الْكُفْرِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ.

سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُشَاقَّةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْكُفْرِ فلمَ قُلْتُمْ: إِنَّ حُصُولَ الْكُفْرِ يُنَافِي الْعَمَلَ بِالْإِجْمَاعِ؟ فَإِنَّ الْكُفْرَ بِالرَّسُولِ كَمَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ بِكَوْنِهِ صَادِقًا فَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا بِأُمُورٍ أُخَرَ كَشَدِّ الزُّنَّارِ١ وَلُبْسِ الْغِيَارِ٢ وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي القاذورات، والاستخفاف بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا وَإِنْكَارِ نُبُوَّتِهِ بِاللِّسَانِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا وَشَيْءٍ مِنْ هذه الأنواع "كفر"* لَا يُنَافِي الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الْإِجْمَاعِ.

ثُمَّ قَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ مُتَابَعَةِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، لَا بِشَرْطِ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ لَكِنْ بِشَرْطِ تَبَيُّنِ الْهُدَى أَوَّلًا. بِهَذَا الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُشَاقَّةَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ فِيهَا تَبَيُّنَ الْهُدَى، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا اتِّبَاعَ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَبَيُّنُ الْهُدَى شَرْطًا فِي التَّوَعُّدِ عَلَى "اتباع"** غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ "لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا في المعطوف، واللام في الهدي للاستغراق، فليزم أَنْ لَا يَحْصُلَ التَّوَعُّدُ عَلَى"*** اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا عِنْدَ تَبَيُّنِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الهدى، ومن جملة


* في "ب": من الكفر.
** في "ب": متابعة.
*** مابين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>