للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِعْلٌ، وَيَرُدُّ عَلَى قَيْدِ الِاسْتِعْلَاءِ، قَوْلُهُ تَعَالَى حكاية عن فرعون {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} ١ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ.

وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى طَرْدِهِ قَوْلُ لقائل لمن دونه فعل "تهديدًا أو تعجيزًا أو غيرها، فَإِنَّهُ يَرُدُّ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ كَمَا سَيَأْتِي٢، وَيَرُدُّ في طرده قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دُونَهُ افْعَلْ"* إِذَا صَدَرَ عَنْ مُبَلِّغٍ لِأَمْرِ الْغَيْرِ، أَوْ حَاكٍ لَهُ، وَيَرُدُّ عَلَى عَكْسِهِ افْعَلْ إِذَا صَدَرَ مِنَ الْأَدْنَى عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَلِذَلِكَ يُذَمُّ بِأَنَّهُ أَمَرَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْإِيرَادِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ قَوْلُ افْعَلْ مُرَادًا بِهِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّهُ لَيْسَ قَوْلًا لِغَيْرِهِ افْعَلْ.

وَعَنْ الثَّالِثِ: بِمَنْعِ كَوْنِهِ أَمْرًا عِنْدَهُمْ لُغَةً، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ عُرْفًا.

وَقَالَ قَوْمٌ فِي حَدِّهِ: هُوَ صِيغَةُ افْعَلْ مُجَرَّدَةً عَنِ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْأَمْرِ.

وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ: بِأَنَّهُ تَعْرِيفُ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ وَلَا يُعَرَّفُ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّ أُسْقِطَ هَذَا الْقَيْدُ بَقِيَ صِيغَةُ افْعَلْ مُجَرَّدَةً فَيَلْزَمُ تجرده مطلقًا، حتى عما يؤكدكونه أَمْرًا.

وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقَرَائِنُ الصَّارِفَةُ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهَا إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِهَا.

وَقِيلَ فِي حَدِّهِ: هُوَ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ.

وَاعْتُرِضَ عَلَى عَكْسِهِ بِاكْفُفْ وَانْتَهِ وَاتْرُكْ وَذَرْ فَإِنَّهَا أَوَامِرُ لَا يُصَدِّقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ غَيْرَ الْكَفِّ فِيهَا.

وَاعْتُرِضَ عَلَى طَرْدِهِ بِلَا تَتْرُكْ، وَلَا تَنْتَهِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهَا نَوَاهٍ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَحْدُودَ هُوَ النَّفْسِيُّ، فَيَلْتَزِمُ أَنَّ مَعْنَى لَا تَتْرُكْ مَعْنَى الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ، ومعنى اكفف وَذَرِ النَّهْيُ فَاطَّرَدَ وَانْعَكَسَ.

وَقِيلَ فِي حَدِّهِ: هُوَ صِيغَةُ افْعَلْ بِإِرَادَاتٍ ثَلَاثٍ، وُجُودِ اللَّفْظِ، وَدَلَالَتِهَا عَلَى الْأَمْرِ، وَالِامْتِثَالِ.

وَاحْتَرَزَ بِالْأُولَى عَنِ النَّائِمِ، إِذْ يَصْدُرُ عَنْهُ صِيغَةُ افْعَلْ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ وُجُودِ اللَّفْظِ، وَبِالثَّانِيَةِ عَنِ التَّهْدِيدِ وَالتَّخْيِيرِ وَالْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ وَنَحْوِهَا، وَبِالثَّالِثَةِ عَنِ الصِّيغَةِ الَّتِي تَصْدُرُ عَنِ الْمُبَلِّغِ، وَالْحَاكِي، فَإِنَّهُ لَا يريد الامتثال


* ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>