قَالُوا: لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَى الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ لِتَعَذُّرِ جَمْعِ الْآحَادِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ وَالْإِفْهَامُ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ لَا تَضْرِبْ أَحَدًا، فُهِمَ مِنْهُ الْعُمُومُ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ وَاحِدًا عُدَّ مُخَالِفًا، وَالتَّبَادُرُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ وَالنَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً فَلِلْعُمُومِ صِيغَةٌ، وَأَيْضًا لَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِمِثْلِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} ١ و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} ٢، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَحْتَجُّونَ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ "بمثل"* عند الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِنْهُ مَا ثَبَتَ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: "لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِي شَأْنِهَا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} " ٣ وما ثابت أَيْضًا مِنِ احْتِجَاجِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالْعُدُولُ إِلَى التَّيَمُّمِ مَعَ شِدَّةِ الْبَرْدِ. فَقَالَ سَمِعْتُ الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} ٤ فَقَرَّرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ٥؛ وَكَمْ يَعُدُّ الْعَادُّ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَادِّ.
وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّهُ إنما فهم بِالْقَرَائِنِ جَوَابٌ سَاقِطٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَابِ٦ مِنَ المالكية، ومحمد بن شجاع البلخي٧ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ، وَأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الصِّيَغِ مَوْضُوعٌ فِي الخصوص، وهو أقل الجمع أما
* في "أ": عند.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute