للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقُ بِتَكْرَارِ الدُّخُولِ كَمَا فِي كُلَّمَا.

وَالْحَقُّ: أَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ لَا يُنَافِي الْعُمُومَ، وَكَوْنُ مَدْلُولِهَا أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الصِّيَغِ فِي الِاسْتِفْهَامِ.

وَقَالَ صَاحِبُ "اللُّبَابِ"١ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو زَيْدٍ فِي "التَّقْوِيمِ": كَلِمَةُ أَيُّ نَكِرَةٌ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ بِنَفْسِهَا إِلَّا بِقَرِينَةٍ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} ولم يقل يأتوني، لو قَالَ لِغَيْرِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُمْ لَمْ يُعْتَقْ إِلَّا وَاحِدٌ، فَإِنَّ وَصْفَهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ لِلْعُمُومِ بِقَوْلِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبُوهُ جَمِيعًا عَتَقُوا، لِعُمُومِ فِعْلِ الضَّرْبِ، وَصَرَّحَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَقَالَ: وَأَمَّا أَيُّ فَهِيَ اسْمٌ مُفْرَدٌ يَتَنَاوَلُ جُزْءًا مِنَ الْجُمْلَةِ الْمُضَافَةِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} فَجَاءَ بِهِ وَاحِدٌ وَقَالَ: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ٢، وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَالشَّاشِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَأَنَّ الْعَبِيدَ يُعْتَقُونَ جَمِيعًا فِيهِمَا وَجَزَمَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي "التَّحْرِيرِ"٣ بِأَنَّهَا في الشرط والاستفهام ككل مَعَ النَّكِرَةِ، وَكَالْبَعْضِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا "قَرَّرَهُ"* النُّحَاةُ فِيهَا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَيَّ رَجُلٍ تَضْرِبْ أَضْرِبْ، وَبَيْنَ أَيَّ "الرَّجُلَيْنِ"** تَضْرِبْ أَضْرِبْ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى.

الْفَرْعُ الْخَامِسُ:

النَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَالَ: أَكَلْتُ الْيَوْمَ شَيْئًا، فَمَنْ أَرَادَ تَكْذِيبَهُ قَالَ: مَا أَكَلْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا، فَذِكْرُهُمْ هَذَا النَّفْيَ عن تَكْذِيبِ ذَلِكَ الْإِثْبَاتِ يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى كَوْنِهِ مُنَاقِضًا لَهُ فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: مَا أَكَلْتُ الْيَوْمَ شَيْئًا لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لَمَا تَنَاقَضَا؛ لِأَنَّ السَّلْبَ الْجُزْئِيَّ لَا يُنَاقِضُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنِ النَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ قَوْلُنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفْيًا لِجَمِيعِ الْآلِهَةِ سِوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَتَقَرَّرَ بِهَذَا أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ بِمَا أَوْ لَنْ أَوْ لَمْ أو ليس أو


* في "أ": جوزه.
** في "أ": الرجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>