أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْهُ فِي حُكْمٍ آخَرَ غَيْرِ مَا سُئِلَ عَنْهُ، كَسُؤَالِهِمْ عَنِ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَجَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: "هو الطهور ماؤه والحل مَيْتَتُهُ" ١ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّائِلِ، وَلَا بِمَحَلِّ السُّؤَالِ مِنْ ضَرُورَتِهِمْ إِلَى الْمَاءِ وَعَطَشِهِمْ، بَلْ يَعُمُّ حَالَ الضَّرُورَةِ وَالِاخْتِيَارِ، كذا قال ابن فورك، وصاحبا "المعتمد" و"* "المحصول" وغيرهما، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَابْنِ بُرْهَانٍ أَنَّهُ يَجْرِي فِي هَذَا الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْقَسَمِ الثَّانِي، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ كَمَا لَا يَخْفَى.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ أَعَمَّ مِنَ السُّؤَالِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عنه، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَاءِ بِئْرِ بُضَاعَةَ: "الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" ٢، وَكَقَوْلِهِ لَمَّا سُئِلَ عَمَّنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ عَيْبًا: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" ٣، وَهَذَا الْقِسْمُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وفيه مذاهب:
المذهب الأول: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْرُهُ عَلَى مَا خَرَجَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيُّ، وَابْنُ بُرْهَانٍ، وَابْنُ السمعاني، عن المزني٤، وأبي ثور القفال، وَالدَّقَّاقِ، وَحَكَاهُ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَحَكَاهُ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْبَاجِيُّ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ وَحَكَاهُ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ إِنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا قال الغزالي في المنخول، وتبعه فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: والذي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَصَحَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ ونقل هذا المذهب القاضي أبي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ بُرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ مالك
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute