وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ فِي الْمِثَالَيْنِ لَيْسَ بِعَامٍّ، بَلْ هُوَ لِلْبَعْضِ الْخَارِجِيِّ المطابق للمعهود والذهني، وهو الخبز والماء المقرر في الذهني أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، وَهُوَ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ.
وَالَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ، أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ التَّخْصِيصِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولًا لِلْعَامِّ، وَلَوْ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، وَعَلَى بَعْضِ التَّقَادِيرِ، كَمَا تَشْهَدُ لِذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ، وَالْكَلِمَاتُ الْعَرَبِيَّةُ، وَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ الْبَاقِي بِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَدْ خُصِّصَ، أو بكونه أقرب إلى مدلول العام، فإنه هَذِهِ الْأَكْثَرِيَّةَ وَالْأَقْرَبِيَّةَ لَا تَقْتَضِيَانِ كَوْنَ ذَلِكَ الأكثر الأقرب هُمَا مَدْلُولَا الْعَامِّ عَلَى التَّمَامِ، فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ إِخْرَاجِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ يَصِيرُ الْعَامُّ غَيْرَ شَامِلٍ لِأَفْرَادِهِ، كَمَا يَصِيرُ غَيْرَ شَامِلٍ لَهَا عِنْدَ إِخْرَاجِ أَكْثَرِهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يقال ههنا: إِنَّ الْأَكْثَرَ فِي حُكْمِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَلِهَذَا يَأْتِي الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي كَوْنِ دَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ، أَوِ الْمَجَازِ، وَلَوْ كَانَ الْمُخْرَجُ فَرْدًا وَاحِدًا.
وَإِذَا عَرَفْتَ أنه لا وجه للتقييد يكون الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَكْثَرَ أَوْ أَقْرَبَ إِلَى مَدْلُولِ الْعَامِّ، عَرَفْتَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ جَمْعًا؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي مَعْنَى الْعُمُومِ لَا فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الصِّيغَةِ مُفْرِدَةً لَفْظًا كَمَنَ وَمَا وَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ، وَبَيْنَ كَوْنِهَا غَيْرَ مُفْرَدَةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ الَّتِي أَلْفَاظُهَا مُفْرِدَةٌ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ مَعَانِيهَا مُتَعَدِّدَةً، وَالِاعْتِبَارُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي لَا بِمُجَرَّدِ الألفاظ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute