وَأُجِيبُ أَيْضًا عَنِ الْقِيَاسِ عَلَى الشَّرْطِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ بِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَتَقَدَّمُ كَمَا يَتَأَخَّرُ.
وَيُجَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْجُمَلَ الْمُتَعَاطِفَةَ لَهَا حُكْمُ الْمُفْرِدَاتِ، وَدَعْوَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْمُفْرَدَاتِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا.
وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ. لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُفِيدُ مَفَادَ الشَّرْطِ فِي الْمَعْنَى.
وَاسْتَدَلَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي: بِأَنَّ رُجُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى مَا يَلِيهِ مِنَ الْجُمَلِ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَنْعِ دَعْوَى الظُّهُورِ، وَالْحَقُّ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ أَنَّ الْقَيْدَ الْوَاقِعَ بَعْدَ جُمَلٍ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مَنْ عُودِهِ إِلَى جَمِيعِهَا لَا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ، وَلَا مِنْ خَارِجٍ عَنْهُ فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِهَا، وَإِنْ مَنَعَ مَانِعٌ فَلَهُ حُكْمُهُ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا حَكَوْهُ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَجَعَلُوهُ مَذْهَبًا رَابِعًا مِنْ أَنَّ الْجُمَلَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مَسُوقَةً لِمَقْصُودٍ وَاحِدٍ انْصَرَفَ إِلَى الْجَمِيعِ، وَإِنْ سِيقَتْ لِأَغْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ، فَإِنَّ كَوْنَهَا مَسُوقَةً لِأَغْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ هُوَ مَانِعٌ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْجَمِيعِ.
وَكَذَا لَا يُنَافِي هَذَا مَا جَعَلُوهُ مَذْهَبًا خَامِسًا، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ أَنَّ الْوَاوَ لِلِابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ، وَالنُّحَاةَ الْبَصْرِيِّينَ إِلَّا الْبَغَادِدَةَ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَاوِ لِلِابْتِدَاءِ هُوَ مَانِعٌ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْجَمِيعِ.
وَكَذَلِكَ لَا يُنَافِي هَذَا مَا حَكَوْهُ مَذْهَبًا سَادِسًا، مِنْ كَوْنِ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إِنْ كَانَتْ إِعْرَاضًا وَإِضْرَابًا عَنِ الْأُولَى اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ وَالْإِضْرَابَ مَانِعٌ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْجَمِيعِ، وَقَدْ أَطَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَاقُوا مِنْ أَدِلَّةِ الْمَذَاهِبِ مَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَإِنَّ بَعْضَهَا احْتِجَاجٌ بِقِصَّةٍ خَاصَّةٍ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِمَا اخْتَصَّتْ بِهِ، وَبَعْضَهَا يَسْتَلْزِمُ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute