للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّنْقِيحِ"، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَادَةَ السَّابِقَةَ عَلَى الْعُمُومِ تَكُونُ مُخَصِّصَةً، وَالْعَادَةَ الطَّارِئَةَ بَعْدَ الْعُمُومِ لَا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْعُمُومِ. انْتَهَى.

وَالْحَقُّ: أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ إِنْ كَانَتْ مُشْتَهِرَةً فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ كَانَ الْمُرَادُ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهِيَ مُخَصِّصَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يُخَاطِبُ النَّاسَ بِمَا يَفْهَمُونَ، وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ إِلَّا مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَارُفُ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْعَادَةُ كَذَلِكَ فَلَا حُكْمَ لَهَا وَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهَا.

وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُخَصِّصُ كَلَامَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِعَادَةٍ حَادِثَةٍ بَعْدَ انْقِرَاضِ زَمَنِ النُّبُوَّةِ تَوَاطَأَ عَلَيْهَا قَوْمٌ وَتَعَارَفُوا بِهَا، وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الشَّارِعُ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْخَطَأِ الْبَيِّنِ وَالْغَلَطِ الْفَاحِشِ.

أَمَّا لَوْ قَالَ الْمُخَصِّصُ بِالْعَادَةِ الطَّارِئَةِ إِنَّهُ يُخَصِّصُ بِهَا مَا حَدَثَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ الْمُصْطَلِحِينَ عَلَيْهَا مِنَ التَّحَاوُرِ فِي الْكَلَامِ، وَالتَّخَاطُبِ بِالْأَلْفَاظِ، فَهَذَا مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ بَحْثَنَا فِي هَذَا الْعِلْمِ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْمُخَصِّصَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَالْبَحْثُ عَنِ الْمُخَصِّصَاتِ الْعُرْفِيَّةِ لِمَا وَقَعَ التَّخَاطُبُ بِهِ مِنَ الْعُمُومَاتِ الْحَادِثَةِ مِنَ الْخَلْطِ لِهَذَا الْفَنِّ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ وَالْخَبْطُ فِي الْبَحْثِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>