للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ أَكْلِ مَا لَيْسَ بَطَرِيٍّ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ خَرَجَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُتَعَلِّقٍ بِحُكْمٍ خَاصٍّ، وَلَا حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمَذْكُورِ، هَكَذَا قِيلَ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَلَا بِخُصُوصِ السُّؤَالِ.

وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ -يَعْنِي بَيْنَ عُمُومِ اللَّفْظِ، وَعُمُومِ الْمَفْهُومِ- أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ ضَعِيفَةٌ تَسْقُطُ بِأَدْنَى قَرِينَةٍ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْعَامِّ.

قُلْتُ: وَهَذَا فَرْقٌ قَوِيٌّ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ فِي الْمَفَاهِيمِ الَّتِي دَلَالَتُهَا ضَعِيفَةٌ، أَمَّا الْمَفَاهِيمُ الَّتِي دَلَالَتُهَا قَوِيَّةٌ قُوَّةً تُلْحِقُهَا بِالدَّلَالَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَلَا.

قَالَ: وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} ١ فَلَا مَفْهُومَ لِلْأَضْعَافِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى النَّهْيِ عَمَّا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ بِسَبَبِ الْآجَالِ، كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ: إِمَّا أَنْ تُعْطِيَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، فَيَتَضَاعَفُ بِذَلِكَ أَصْلُ دَيْنِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ:

أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ قُصِدَ بِهِ التَّفْخِيمُ، وَتَأْكِيدُ الْحَالِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر أَنْ تَحُدَّ" ٢ الْحَدِيثَ، فَإِنَّ التَّقْيِيدَ "بِالْإِيمَانِ" لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ:

أَنْ يُذْكَرَ مُسْتَقِلًّا، فَلَوْ ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ لِشَيْءٍ آخَرَ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ٣ فإن قوله تعالى: {فِي الْمَسَاجِدِ} فلا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ مُطْلَقًا.

الشَّرْطُ السَّادِسُ:

أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنَ السِّيَاقِ قَصْدُ التَّعْمِيمِ، فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا مَفْهُومَ له، كقوله


١ جزء من الآية ١٣٠ من سورة آل عمران.
٢ أخرجه البخاري من حديث زينب بنت أبي سلمة، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا ٥٣٣٤-٥٣٣٥-٥٣٣٦. ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة ١٤٨٦-١٤٨٧-١٤٨٩. وأبو داود، كتاب الطلاق، باب إحداد المتوفى عنها زوجها ٢٢٩٩. والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها ١١٩٥-١١٩٦-١١٩٧. والنسائي، كتاب الطلاق، باب ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية ٦/ ١٠٢.ومالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الإحداد ٢/ ٥٩٦. وعبد الرزاق في المصنف١٢١٣٠. ابن حبان في صحيحه ٤٣٠٤. أبو يعلى في مسنده ١١٦٠.
٣ جزء من الآية ١٨٧ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>