قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ دَلِيلٌ كَالصِّفَةِ سَوَاءٌ.
وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ، وَالْعَمَلُ بِهِ مَعْلُومٌ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَمِنَ الشَّرْعِ، فَإِنَّ مَنْ أَمَرَ بِأَمْرٍ، وَقَيَّدَهُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، فَزَادَ الْمَأْمُورُ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ، أَوْ نَقَصَ عَنْهُ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْآمِرُ الزِّيَادَةَ أَوِ النَّقْصَ، كَانَ هَذَا الْإِنْكَارُ مَقْبُولًا عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ لُغَةَ الْعَرَبِ، فَإِنِ ادَّعَى الْمَأْمُورُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، مَعَ كَوْنِهِ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ، كَانَتْ دَعْوَاهُ هَذِهِ مَرْدُودَةً عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ لُغَةَ الْعَرَبِ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: مَفْهُومُ الْغَايَةِ
وهو مد الحكم بـ إلى أَوْ حَتَّى:
وَغَايَةُ الشَّيْءِ آخِرُهُ، وَإِلَى الْعَمَلِ بِهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَالْغَزَالِيِّ، وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُعْظَمُ نُفَاةِ الْمَفْهُومِ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ حَاكِيًا لِذَلِكَ.
وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانَ وَصَاحِبُ "الْمُعْتَمَدِ" الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.
قَالَ سَلِيمٌ الرَّازِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي "التَّقْرِيبِ": صَارَ مُعْظَمُ نُفَاةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ إِلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِحَرْفِ الْغَايَةِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عَمَّا وَرَاءَ الْغَايَةِ. قَالَ: وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا "حُرُوفَ الْغَايَةِ؛ وَغَايَةُ الشَّيْءِ: نِهَايَتُهُ، فَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بَعْدَهَا لَمْ تَعُدْ تَسْمِيَتُهَا"* غَايَةً، وَهَذَا مِنْ تَوْقِيفِ اللُّغَةِ مَعْلُومٌ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْغَايَةِ مَوْضُوعٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا. انْتَهَى.
وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْآمِدِيُّ، وَلَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ يَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ قَطُّ، بَلْ صَمَّمُوا عَلَى مَنْعِهِ طَرْدًا لِبَابِ الْمَنْعِ، مِنَ الْعَمَلِ بِالْمَفَاهِيمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
النَّوْعُ السَّادِسُ: مَفْهُومُ اللَّقَبِ
وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ، نَحْوَ: قَامَ زَيْدٌ، أَوِ اسْمِ النَّوْعِ، نَحْوَ: فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ الدَّقَّاقُ. كَذَا قِيلَ.
وَقَالَ سَلِيمٌ الرَّازِيُّ فِي "التَّقْرِيبِ": صَارَ إِلَيْهِ الدَّقَّاقُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا -يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ- وَكَذَا حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ابْنُ فُورَكَ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ إِلْكِيَا الطبري في "التلويح":
* ما بين قوسين ساقط من "أ".