للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَالْعَمَلُ بِهِ مَعْلُومٌ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَأْتِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ بِحُجَّةٍ مَقْبُولَةٍ.

ثُمَّ الْحَصْرُ بِـ إِنَّمَا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ فِي الْقُوَّةِ.

قَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ أَقْوَى مِنْ مَفْهُومِ الْغَايَةِ.

وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي "الْأُمِّ"١، وَصَرَّحَ هُوَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، بـ: ما، وإلا.

وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ "إِلَى"* أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَا الْإِثْبَاتِ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ، "لِمَا"** تَضَمَّنَهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ، وَقَدْ وَقَعَ الخلاف على هل مَنْطُوقٌ أَوْ مَفْهُومٌ؟

وَالْحَقُّ: أَنَّهُ مَفْهُومٌ، وَأَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ لِسَانُ الْعَرَبِ.

ثُمَّ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ، أَوِ الْإِضَافَةِ، نَحْوُ: الْعَالِمُ زَيْدٌ، وَصَدِيقِي عَمْرٌو، فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ؛ إِذِ الْمُرَادُ بِالْعَالَمِ وَبِصَدِيقِي هُوَ الْجِنْسُ، فَيَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ؛ إِذْ لَمْ "تَكُنْ"*** هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَهْدِ، فَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ، وَنَفْيِ الصَّدَاقَةِ عَنْ غَيْرِ عمرو، وذلك أن الترتيب الطبيعي أَنْ يُقَدَّمَ الْمَوْصُوفَ عَلَى الْوَصْفِ، فَإِذَا قُدِّمَ الوصف على الموصوف معرفا باللام أو الإضافة، أَفَادَ الْعُدُولُ مَعَ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ أَنَّ نَفْيَ ذَلِكَ الْوَصْفِ عَنْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ مَقْصُودٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ.

وَالْحَقُّ: أَنَّ دَلَالَتَهُ مَفْهُومِيَّةٌ لَا مَنْطُوقِيَّةٌ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ، وَمِنْهُمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ. وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالْآمِدِيُّ، وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ أَنْوَاعِ الْحَصْرِ مُحَرَّرٌ فِي عِلْمِ البيان، وله صور غير ما ذكرناه ههنا، وَقَدْ تَتَبَّعْتُهَا مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِمْ، وَمِنْ مِثْلِ "كَشَّافِ الزمخشري"٢ وما هو على


* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** ما "أ": بما.
*** في "أ": تبن.

<<  <  ج: ص:  >  >>