للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ.

وَإِنَّمَا آثَرُوا الْخِطَابَ عَلَى النَّصِّ، لِيَكُونَ شَامِلًا لِلَّفْظِ، وَالْفَحْوَى، وَالْمَفْهُومِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ جَمِيعِ ذَلِكَ.

وَقَالُوا: الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ، لِيَتَنَاوَلَ الْأَمْرَ، وَالنَّهْيَ، وَالْخَبَرَ، وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحُكْمِ.

وَقَالُوا بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ، لِيَخْرُجَ إِيجَابُ الْعِبَادَاتِ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ يُزِيلُ حُكْمَ الْعَقْلِ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَلَا يُسَمَّى نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ حُكْمُ خِطَابٍ.

وَقَالُوا: عَلَى وَجْهٍ لولاه لكان ثابتا؛ لأنه حَقِيقَةَ النَّسْخِ الرَّفْعُ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ رَافِعًا لَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ بِحَيْثُ لَوْلَا طَرَيَانُهُ لَبَقِيَ.

وَقَالُوا: مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اتَّصَلَ لَكَانَ بَيَانًا لِمُدَّةِ الْعِبَادَةِ لَا نَسْخًا.

وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّسْخَ هُوَ نَفْسُ الِارْتِفَاعِ، وَالْخِطَابُ إِنَّمَا هُوَ دَالٌّ عَلَى الِارْتِفَاعِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الرَّافِعِ وَبَيْنَ نَفْسِ الِارْتِفَاعِ.

الثَّانِي: أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْخِطَابِ خَطَأٌ؛ لأن الناسخ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا، كَمَا يَكُونُ قَوْلًا.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْأُمَّةَ إِذَا اخْتَلَفَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ أَجْمَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَهَذَا الْإِجْمَاعُ خِطَابٌ، مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ قَدْ يَثْبُتُ بِفِعْلِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ "بِخِطَابٍ"*

قَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: النَّاسِخُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ لَا يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ، مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا.

وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: مِثْلُ الْحُكْمِ الَّذِي إِلَخْ، يَشْمَلُ مَا كَانَ مُمَاثِلًا لَهُ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَلَا يَتِمُّ النَّسْخُ لِحُكْمٍ إِلَّا بِرَفْعِ جَمِيعِ الْمُمَاثَلَاتِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَصِحُّ عِنْدَهُ إِطْلَاقُ الْمُمَاثِلَةِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمُخْتَارُ فِي حَدِّهِ اصْطِلَاحًا أَنَّهُ رَفَعَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ بِخِطَابٍ.

وَفِيهِ: أَنَّ النَّاسِخَ قَدْ يَكُونُ فعلا لا خطابا. وفيه أَيْضًا: أَنَّهُ أَهْمَلَ تَقْيِيدَهُ بِالتَّرَاخِي، وَلَا يَكُونُ نسخ إلا به.


* في "أ": وليس هو الخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>