للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقْلًا، وَلَا شَرْعًا، وَقَدْ جَوَّزَتِ الرَّافِضَةُ الْبَدَاءَ عَلَيْهِ؛ عَزَّ وَجَلَّ، لِجَوَازِ النَّسَخِ، وَهَذِهِ مَقَالَةٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ بِمَجْرَدِهَا.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ النَّسْخَ جَائِزٌ عَقْلًا وَاقِعٌ شَرْعًا، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ.

وَقَدْ حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ "الْأُصُولِ"* اتِّفَاقُ أَهْلِ الشَّرَائِعِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَقَامِ مَا يَقْتَضِي تَطْوِيلَ "الْمَقَالِ"**.

وَقَدْ أَوَّلَ جَمَاعَةٌ خِلَافَ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ الْمَذْكُورِ سَابِقًا بِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ إِنْكَارُ النَّسْخِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ لَا يَرْتَفِعُ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْتَهِي بِنَصٍّ دَلَّ عَلَى انْتِهَائِهِ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ، وَسَلِيمٌ الرَّازِيُّ: أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْكَرَ الْجَوَازَ، وَأَنَّ خِلَافَهُ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً، لَا كَمَا نَقَلَ عَنْهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ: أَنَّهُ أَنْكَرَ الْوُقُوعَ.

وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَذَلِكَ جَهَالَةٌ مِنْهُ عَظِيمَةٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَحْكَامِ الْعَقْلِ، فَإِنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، فَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ يُوجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِلٌ بِمَا هُوَ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِكَوْنِهَا نَاسِخَةً لِلشَّرَائِعِ، فَهُوَ خِلَافٌ كُفْرِيٌّ١ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَائِلِهِ.

نَعَمْ إِذَا قَالَ: إِنَّ الشَّرَائِعَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُغَيَّاةٌ بِغَايَةٍ هِيَ الْبَعْثَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ فَذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ إِنْكَارِ كَوْنِهِ نسخًا غير مقيد بهذا القيد.


* في "أ": العلم.
** في "أ": المرام.

<<  <  ج: ص:  >  >>