للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا: سَمْعِيَّةٌ لَا يُعْرَفُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إِلَّا مِنَ السَّمْعِ.

فَالْأَوَّلُ: يَمْتَنِعُ طُرُوءُ النَّسْخِ عَلَيْهِ، كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَطَاعَتِهِ أَبَدًا. وَمَجَامِعُ هَذِهِ الشَّرَائِعِ الْعَقْلِيَّةِ أَمْرَانِ: التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} ١.

وَالثَّانِي: مَا يُمْكِنُ طَرَيَانُ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أُمُورٌ تَحْصُلُ فِي كَيْفِيَّةِ إِقَامَةِ الطَّاعَاتِ الْفِعْلِيَّةِ، وَالْعِبَادَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ.

وَفَائِدَةُ نَسْخِهَا: أَنَّ الْأَعْمَالَ الْبَدَنِيَّةَ إِذَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، صَارَتْ كَالْعَادَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ، وَظَنُّوا أَنَّ أَعْيَانَهَا مَطْلُوبَةٌ لِذَاتِهَا، وَمَنَعَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَعَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ، فَإِذَا غَيَّرَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ "الْأَعْمَالِ"* رِعَايَةُ أَحْوَالِ الْقَلْبِ وَالْأَرْوَاحِ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، انْقَطَعَتِ الْأَوْهَامُ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِتِلْكَ "الصُّوَرِ وَ"** الظَّوَاهِرِ إِلَى علَّام السَّرَائِرِ.

وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ أَنَّ هَذَا الْخَلْقَ طُبِعَ عَلَى الْمَلَالَةِ مِنَ الشَّيْءِ فَوَضَعَ فِي كُلِّ عَصْرٍ شَرِيعَةً جَدِيدَةً لِيَنْشَطُوا فِي أَدَائِهَا.

وَقِيلَ: بَيَانُ شَرَفِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ نَسَخَ بِشَرِيعَتِهِ شَرَائِعَهُمْ، وَشَرِيعَتُهُ لَا ناسخ لها.

وقيل: الحكمة حفظ مصالح العباد، فَإِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِ حُكْمٍ بِحُكْمٍ، وَشَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ، كَانَ التَّبْدِيلُ لِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ.

وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ بِشَارَةُ الْمُؤْمِنِينَ بِرَفْعِ الْخِدْمَةِ عَنْهُمْ، "وَرَفْعِ"*** مُؤْنَتِهَا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مُؤْذِنٌ بِرَفْعِهَا فِي الْجَنَّةِ.

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي "الرِّسَالَةِ" أَنَّ فَائِدَةَ النَّسْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ بِعِبَادِهِ، وَالتَّخْفِيفُ عَنْهُمْ.

وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَثْقَلَ.

وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ الرَّحْمَةَ قَدْ تَكُونُ بِالْأَثْقَلِ أَكْثَرَ مِنَ الْأَخَفِّ، لِمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ تَكْثِيرِ الثَّوَابِ، وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ، فَتَكْثِيرُ الثَّوَابِ فِي الْأَثْقَلِ يُصَيِّرُهُ خَفِيفًا عَلَى الْعَامِلِ، يَسِيرًا عَلَيْهِ، لِمَا يَتَصَوَّرُهُ مِنْ جَزَالَةِ الْجَزَاءِ.


* في "أ": الأنواع.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** في "أ" وبأن رفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>