وَالْجُبَّائِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو هَاشِمٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: إِنَّهُ الْحَقُّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فصل، ومنع في الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا، دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مَنْ لَمْ يفِ بِالْوَعْدِ مُخْلِفًا لَا كَاذِبًا.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَزَمَ بِهِ سَلِيمٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ فِي "الْمِنْهَاجِ"١، وَسَبَقَهُمَا إِلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ ابن الْقَطَّانِ.
أَقُولُ: وَالْحَقُّ: مَنْعُهُ فِي الْمَاضِي مُطْلَقًا، وَفِي بَعْضِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ الْخَبَرُ بِالْوَعْدِ، لَا بالوعيد، ولا بالتكليف، أما بالتكليف فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ حُكْمٍ عَنْ مُكَلَّفٍ، وَأَمَّا بالوعيد، فلكونه عفوا، و"هو"* لَا يَمْتَنِعُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ هُوَ حسن يمدح فاعله من غيره، ويتمدح بِهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَاضِي فَهُوَ كَذِبٌ صُرَاحٌ، إِلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ تَخْصِيصًا، أَوْ تَقْيِيدًا، أَوْ تَبْيِينًا لِمَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ الْمَاضِي، فَلَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا إِلْمَامٌ بِمَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فِي بَعْضِ أَطْرَافِهَا دُونَ بَعْضٍ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ الْكَذِبِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ الِاسْتِلْزَامَ إِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا عَرَفْتَ، لَا فِي كُلِّهَا، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي "الْمُعْتَمَدِ" عَنْ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ مَنْعَ النَّسْخِ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَمَّا عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ فِي الْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ إِخْلَافٌ، وَالْخُلْفُ فِي الْإِنْعَامِ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا فِي الْوَعِيدِ فَنَسْخُهُ جَائِزٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ.
قَالَ: وَلَا يعد ذلك خلفا، بل عفوا وكرما.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute