للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ: فَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ نَسْخُهُ، والنسخ بِهِ، أَمْ لَا؟

أَمَّا جَوَازُ النَّسْخِ بِهِ، فَجَزَمَ الْقَاضِي بِجَوَازِهِ فِي "التَّقْرِيبِ" وَقَالَ: لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ النَّسْخِ بِمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الكتاب وظاهره، وجوازه بِمَا اقْتَضَاهُ فَحْوَاهُ وَلَحْنُهُ، وَمَفْهُومُهُ، وَمَا أَوْجَبَهُ الْعُمُومُ وَدَلِيلُ الْخِطَابِ عِنْدَ مُثْبِتِهَا؛ لِأَنَّهُ كَالنَّصِّ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ. انْتَهَى.

وَكَذَا جَزَمَ بِذَلِكَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. قَالَ: لِأَنَّهُ مِثْلُ النُّطْقِ وَأَقْوَى.

وَنَقَلَ الْآمِدِيُّ، وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يُنْسَخُ بِهِ مَا يُنْسَخُ بِمَنْطُوقِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": وَهُوَ عَجِيبٌ، فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي "الْحَاوِي"، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي "اللُّمَعِ"، وَسَلِيمٌ الرَّازِيُّ، وَصَحَّحُوا الْمَنْعَ، وَالْمَاوَرْدِيُّ نَقَلَهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ: لِأَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعُ النَّصِّ، الَّذِي هُوَ أَقْوَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهُ.

قَالَ: وَالثَّانِي، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ الْجَوَازُ.

وَأَمَّا جَوَازُ نَسْخِهِ: فَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يُنْسَخَ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ.

الثاني: أَنْ يُنْسَخَ تَبَعًا لِأَصْلِهِ.

وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الثَّانِي.

وَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَجَعَلُوهُ مَعَ أَصْلِهِ كَالنَّصَّيْنِ، يَجُوزُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا مَعَ بَقَاءِ الْآخَرِ، وَنَقَلَهُ سَلِيمٌ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ. "قَالَ"*: بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنَ اللَّفْظِ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ لَفْظَيْنِ، فَجَازَ نَسْخُ أَحَدِهِمَا، مَعَ بقاء حكم الآخر.

والقول الثَّانِي: الْمَنْعُ، وَصَحَّحَهُ سَلِيمٌ الرَّازِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ لَفْظِهِ مُوجِبٌ لِفَحْوَاهُ وَمَفْهُومِهِ، فَلَمْ يَجُزْ نَسْخَ الْفَحْوَى مَعَ بَقَاءِ مُوجِبِهِ، كَمَا لَا يُنْسَخُ الْقِيَاسُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إِلَى التَّفْصِيلِ، فَقَالَ: إِنْ كانت علة المنطوق لا تحتمل التغيير،


* ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>