للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ:

أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَجْمِهِ لِمَاعِزٍ وَلَمْ يَجْلِدْهُ١ فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَسْخَ قَوْلِهِ: "الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمُهُ بِالْحِجَارَةِ" ٢.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الْفِعْلَ لَا يَنْسَخُ الْقَوْلَ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِالْفِعْلِ عَلَى تَقَدُّمِ النَّسْخِ لِلْقَوْلِ بِقَوْلٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَنْسُوخًا بِمِثْلِهِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالْفِعْلُ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ.

الرَّابِعُ:

إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ، كَنَسْخِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ "شَهْرِ"* رَمَضَانَ، ونسخ الحقوق المعلقة بِالْمَالِ بِالزَّكَاةِ. ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا حَدِيثُ "مَنْ غَلَّ صَدَقَتَهُ" فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ" ٣، قَالَ: فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقَتْ عَلَى تَرْكِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخهِ. انْتَهَى.

وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ مِنْ أَدِلَّةِ بَيَانِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.

قَالَ الْقَاضِي: يُسْتَدَلُّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَعَهُ خَبَرًا وَقَعَ بِهِ النَّسْخُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِهِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الصَّيْرَفِيُّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلًا عَلَى تَعَيُّنِ النَّصِّ لِلنَسْخِ، بَلْ جَعَلَهُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ النَّسْخِ وَالْغَلَطِ.

الْخَامِسُ:

نَقْلُ الصَّحَابِيِّ لِتَقَدُّمِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، وَتَأَخُّرِ الْآخَرِ؛ إِذْ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ وَاضِحٌ إِذَا كَانَ الْخَبِرَانِ غَيْرَ مُتَوَاتِرَيْنِ، أَمَّا إِذَا قَالَ فِي الْمُتَوَاتِرِ: إِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْآحَادِ، فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي "التَّقْرِيبِ" بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَنَقَلَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَسْخَ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: يُقْبَلُ. وَشَرَطَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ كَوْنَ الرَّاوِي لَهُمَا وَاحِدًا.

السَّادِسُ:

كَوْنُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ شَرْعِيًّا، وَالْآخَرُ مُوَافِقًا لِلْعَادَةِ، فَيَكُونُ الشَّرْعِيُّ نَاسِخًا.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِالنَّقْلِ عَنِ الْعَادَةِ، ثُمَّ يَرِدُ نَسْخُهُ وَرَدُّهُ إِلَى مَكَانِهِ.

وَأَمَّا حَدَاثَةُ الصَّحَابِيِّ وَتَأَخُّرُ إِسْلَامِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ دلال النَّسْخِ.

وَإِذَا لَمْ يُعْلَمِ النَّاسِخُ مِنَ الْمَنْسُوخِ، بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَرَجَّحَ قَوْمٌ، مِنْهُمُ ابْنُ الحاجب الوقف.


* ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>