للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ١.

وَهَكَذَا وَقَعَ الْإِنْكَارُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ، وَالْقِيَاسُ إِنْ كَانَ مِنْهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَقَدْ أَنْكَرَهُ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

وَلَوْ سَلَّمْنَا لَكَانَ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقِيَاسَاتِ الَّتِي وَقَعَ النَّصُّ عَلَى عِلَّتِهَا، وَالَّتِي قُطِعَ فِيهَا بِنَفْيِ الْفَارِقِ. فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ، الَّذِي اعْتَبَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وأثبتوه بِمَسَالِكَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ، وَتُسَافِرُ فِيهَا الْأَذْهَانُ، حَتَّى تَبْلُغَ إِلَى مَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَتَغَلْغَلَ فِيهَا الْعُقُولُ، حَتَّى تَأْتِيَ بِمَا لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ٢، وَلَا مِنَ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ، فِي قَبِيلٍ وَلَا دَبِيرٍ٣.

وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا" ٤.

وَجَاءَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ إِكْمَالِ الدِّينِ، وَبِمَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُصَحِّحُ دَلَالَتَهُ وَيُؤَيِّدُ بَرَاهِينَهُ.

وَإِذَا عَرَفْتَ مَا حَرَّرْنَاهُ وَتَقَرَّرَ لَدَيْكَ جَمِيعُ مَا قَرَّرْنَاهُ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَأْخُوذَ بِهِ هُوَ مَا وَقَعَ النَّصُّ عَلَى عِلَّتِهِ، وَمَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، وَمَا كَانَ مِنْ بَابِ فَحْوَى الْخِطَابِ، أَوْ لَحْنِ الْخِطَابِ، عَلَى اصْطِلَاحِ مَنْ يُسَمِّي ذَلِكَ قِيَاسًا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ مَفْهُومِ الموافقة.


١ وقع الخلاف في الخلع هل هو فسخ أو طلاق.
قال الحنفية: هو تطليقه بائنة. وهو قول عامة الصحابة رضي الله عنهم.
قال الشافعي: هو فسخ. وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. ا. هـ المبسوط للسرخسي ٦/ ١٧١.
٢ الصدر "ضد الورد" وهو الانصراف ا. هـ المصباح مادة صدر.
٣ يقال: ما يعرف قبيلة من دبيره، وفلان ما يدري قبيلا من دبير أي لا يعرف شيئا. ا. هـ لسان العرب مادة دبر.
٤ أخرجه ابن ماجه من حديث العرباض بن سارية بلفظ: "وقد تركتم على البيضاء ليلها كنهارها". في المقدمة ٤٣. وأحمد في مسنده ٤/ ١٢٦. والدارمي في سننه ٩٦. والترمذي برقم ٢٧٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>