للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينعقد القياس الثاني، لعدم اشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ.

وَقَسَّمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنَ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ نَفْسُ الْمَعْنَى، الَّذِي ثَبَتَ بِهِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، قَالَ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي قِيسَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: الْجَوَازُ.

وَالثَّانِي: وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: الْمَنْعُ، وَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ "عِنْدِي"* الْآنَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِثْبَاتِ حُكْمٍ فِي الْفَرْعِ بِغَيْرِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي "الْقَوَاطِعِ"، وَلَمْ يَذْكُرِ الْغَزَالِيُّ غَيْرَهُ.

السَّادِسُ:

أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ، أَمَّا لَوْ كَانَ شَامِلًا لَهُ، خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ فَرْعًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا، لِخُلُوِّهِ عَنِ الْفَائِدَةِ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ جَعْلُ أَحَدِهِمَا أَصْلًا وَالْآخَرِ فَرْعًا أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.

السَّابِعُ:

أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ احْتِيجَ إِلَى إِثْبَاتِهِ أَوَّلًا، وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي نَفْسِهِ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِهِ، فَسُقُوطُ ذَلِكَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْلَى.

وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَصْلِ، فَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ فَقَطْ، لِيَنْضَبِطَ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ.

وَشَرَطَ آخَرُونَ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَاخْتَارَ فِي "الْمُنْتَهَى" أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِنْ كَانَ مُقَلِّدًا لَمْ يَشْتَرِطِ الْإِجْمَاعَ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَا ثَبَتَ مَذْهَبًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا اشْتَرَطَ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَدِيًا بِإِمَامٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَلَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَمْنَعَهُ.

الثَّامِنُ:

أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ، وَذَلِكَ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى إِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنَّهُ مُعَلَّلٌ عِنْدَ أَحَدِهِمَا بِعِلَّةٍ "وَعِنْدَ الْآخَرِ بِعِلَّةٍ"** أُخْرَى يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، وَهَذَا يُقَالُ لَهُ: مُرَكَّبُ الْأَصْلِ، "وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ*** لِاخْتِلَافِهِمْ فِي نَفْسِ


* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>