للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَثَانِيهِمَا: أَنْ تَدْخُلَ عَلَى رِوَايَةِ الرَّاوِي، كَقَوْلِهِ: "سها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَجَدَ"١، وَ"زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ"٢، كَذَا فِي "الْمَحْصُولِ" وَغَيْرِهِ.

النَّوْعُ الثَّانِي:

أَنْ يَذْكُرَ الشَّارِعُ مَعَ الْحُكْمِ وَصْفًا، لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لَعَرَّى عَنِ الْفَائِدَةِ إِمَّا مَعَ سُؤَالٍ فِي مَحَلِّهِ، أَوْ سُؤَالٍ فِي نَظِيرِهِ.

فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ: وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: "اعْتِقْ رَقَبَةً" ٣. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِقَاعَ عِلَّةٌ لِلْإِعْتَاقِ، وَالسُّؤَالٌ مُقَدَّرٌ فِي الْجَوَابِ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَاقَعْتَ فَكَفِّرْ.

الثَّانِي كَقَوْلِهِ: وَقَدْ سَأَلَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ: إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ، وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَفَيَنْفَعُهُ إِنْ حَجَجْتُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ٤.

فَذَكَرَ نَظِيرَهُ، وَهُوَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ، فَنَبَّهَ عَلَى كَوْنِهِ، عِلَّةً فِي النَّفْعِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْعَبَثُ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ شَرْطَ فَهْمِ التَّعْلِيلِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ جَوَابًا؛ إِذْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ اسْتِئْنَافًا، لَا جَوَابًا، وَذَلِكَ كَمَنْ تَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ، فَأَخْبَرَهُ تِلْمِيذُهُ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ، فَأَمَرَهُ عَقِبَ الْإِخْبَارِ بِقِرَاءَةِ دَرْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْلِيلِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ، بَلِ الْأَمْرُ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيهِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ:

أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ لوصف، نحو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ" ٥. فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِحْقَاقِ لِلسَّهْمِ وَالسَّهْمَيْنِ هُوَ الوصف المذكور.


١ أخرجه أبو داود من حديث عمران بن حصين بلفظ: "إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" كتاب الصلاة، باب سجدتي السهو ١٠٣٩. الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو ٣٩٥. النسائي، في السهو، ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين ٣/ ٢٦. الحاكم في المستدرك بلفظ: "صلى بهم فسها في صلاته فسها فسجد سجدتين السهو بعد السلام والكلام، ١/ ٣٢٣ وسكت عنه الذهبي في التلخيص. ابن حبان في صحيحه ٢٦٧٠.
٢ تقدم تخريجه ٢/ ٧٣.
٣ أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل: "ويلك" ٦١٦٤. بنحوه أبو داود، كتاب الصيام، باب كفارة من أتى أهله في رمضان ٢٣٩٠. والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان ٧٢٤. وابن ماجه، كتاب الصوم، باب ما جاء في كفارة من أفطر يوما في رمضان ١٦١٧. والنسائي في الكبرى كما في التحفة ٩/ ٣٢٧. وابن حبان في صحيحه ٣٥٢٤. وأحمد في مسنده ٢/ ٢٤١.
٤ تقديم تخريجه ٢/ ١٠٠.
٥ أخرجه البيهقي من حديث ابن عمر، وقد روي أيضًا من طريق العقبني عن عبد الله العمري بالشك بالفارس أو الفرس، فقال الشافعي في القديم: كأنه سمع نافعا يقول: للفرس سهمين وللرجل سهما، فقال: للفارس سهمين وللراجل سهما وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ. انظر البيهقي، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في سهم الراجل والفارس ٦/ ٣٢٥. ورواه الحاكم في المستدرك، من حديث مجمع بن جارية الأنصاري، في كتاب قسم الفيء قال: حديث كبير صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص ٢/ ١١٣
وأخرجه أحمد في مسنده ٣/ ٤٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>