هَذَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَاظِرَ يُقَسِّمُ الصِّفَاتِ وَيَخْتَبِرُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا "فِي أَنَّهُ"* هَلْ تَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ أَمْ لَا؟
وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا:
أَنْ يَدُورَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهَذَا هو المنحصر.
والثاني:
أن لا يكون كذلك، وهذا هو الْمُنْتَشِرُ.
فَالْأَوَّلُ:
أَنْ تُحْصَرَ الْأَوْصَافُ الَّتِي يُمْكِنُ التَّعْلِيلُ بِهَا لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ، ثُمَّ اخْتِبَارُهَا فِي الْمَقِيسِ، وَإِبْطَالُ مَا لَا يَصْلُحُ مِنْهَا بِدَلِيلِهِ، وَذَلِكَ الْإِبْطَالُ إِمَّا بِكَوْنِهِ مُلْغًى، أَوْ وَصْفًا طَرْدِيًّا، أَوْ يَكُونُ فِيهِ نَقْضٌ، أَوْ كَسْرٌ، أَوْ خَفَاءٌ، أَوِ اضْطِرَابٌ، فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِلِّيَّةِ١.
وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَطْعِيَّاتِ، كَقَوْلِنَا: الْعَالِمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا، أَوْ حَادِثًا، بَطَلَ أَنْ يكون قديما، فثبت أنه حادث.
وقد يكون في الظنيات، نحو أن نقول: فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَوِيَّةِ: بَحَثْتُ عَنْ أَوْصَافِ الْبُرِّ فَمَا وَجَدْتُ ثَمَّ مَا يَصْلُحُ لِلرِّبَوِيَّةِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ إِلَّا الطَّعْمَ، وَالْقُوتَ، وَالْكَيْلَ، لَكِنَّ الطَّعْمَ وَالْقُوتَ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِدَلِيلِ كَذَا، فَتَعَيَّنَ الْكَيْلُ٢.
قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَحُصُولُ هَذَا الْقِسْمِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ عَسِرٌ جِدًّا.
وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْمَسْلَكِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِمُنَاسِبٍ، خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ، وَأَنْ يَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَرْكِيبَ فِيهَا، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا، فَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقَعِ الِاتِّفَاقُ لَمْ يكون هَذَا الْمَسْلَكُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَطَلَ كَوْنُهُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، جَازَ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى غَيْرِهِ صَارَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَلَا بُدَّ مِنْ إِبْطَالِ كَوْنِهِ عِلَّةً أَوْ جُزْءَ عِلَّةٍ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حاصرا لجميع الأوصاف، وذلك بأن يوافقه الْخَصْمُ عَلَى انْحِصَارِهَا فِي ذَلِكَ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْ إِظْهَارِ وَصْفٍ زَائِدٍ، وَإِلَّا فَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ أَنْ يَقُولَ: بَحَثْتُ عَنِ الْأَوْصَافِ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا، وَهَذَا إِذَا كَانَ أَهْلًا لِلْبَحْثِ.
وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ، وَمِنْهُمُ: الْأَصْفَهَانِيُّ، فَقَالَ: قَوْلُ الْمُعَلِّلِ فِي جَوَابِ طَالِبِ الْحَصْرِ: بَحَثْتُ وَسَبَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنْ ظَفِرْتَ بعلة أخرى فأبرزها، وإلا فليلزمك
* ما بين قوسين ساقط من "أ".