للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الجمع بينها فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ مُتَلَائِمٍ. انْتَهَى.

وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي تَعْرِيفِهَا الْقَائِلُونَ بِمَنْعِ تَعْلِيلِ أَفْعَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْأَغْرَاضِ، وَالْقَائِلُونَ بِتَعْلِيلِهَا بِهَا.

فَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: إِنَّهَا الْمُلَائِمُ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِي الْعَادَاتِ، أَيْ: مَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْعُقَلَاءُ تَحْصِيلَهُ عَلَى مَجَارِي الْعَادَةِ بِتَحْصِيلٍ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ.

وَالْآخَرُونَ قَالُوا: إنها ما تجلب للإنسان نفع، أو تدفع عنه ضرا١.

وَقِيلَ: هِيَ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تلقته بالقبول، كذا قال الدبوسي.

وقيل: وَعَلَى هَذَا فَإِثْبَاتُهَا عَلَى الْخَصْمِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقُولُ: عَقْلِي لَا يَتَلَقَّى هَذَا بِالْقَبُولِ، ومن ثم قال الدبسوي: هُوَ حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ: لا للمناظر.

قال الغزالي: والحق بأنه يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ عَلَى الْجَاحِدِ بِتَبْيِينِ مَعْنَى الْمُنَاسَبَةِ عَلَى وَجْهٍ مَضْبُوطٍ، فَإِذَا أَبْدَاهُ الْمُعَلِّلُ فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى جَحْدِهِ. انْتَهَى.

وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ إِلَّا ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِنَّ الْمُنَاسِبَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ خَفِيًّا، أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ اعْتُبِرَ مَلَازِمُهُ، وَهُوَ الْمَظِنَّةُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَ لا يعرف الغيب، كالسفر للمشقة، والفعل المقضي عُرْفًا عَلَيْهِ بِالْعَمْدِ فِي الْعَمْدِيَّةِ.

قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي مَاهِيَّةِ الْمُنَاسَبَةِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ، وَهُوَ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الْمُنَاسِبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ: الْمُنَاسَبَةُ مَعَ الِاقْتِرَانِ دَلِيلُ الْعِلَّةِ، وَلَوْ كَانَ الِاقْتِرَانُ دَاخِلًا فِي الْمَاهِيَّةِ لَمَا صَحَّ هَذَا.

وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ "بِالظَّاهِرَةِ"* الْمُنْضَبِطَةِ جَائِزٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَائِلُ هَذَا الْحَدِّ، وَالْوَصْفِيَّةُ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فِيهَا مَعَ تَحَقُّقِ الْمُنَاسَبَةِ.

وَقَدِ احْتَجَّ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى إِفَادَتِهَا لِلْعِلِّيَّةِ بِتَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ بِهَا، فَإِنَّهُمْ يُلْحِقُونَ غَيْرَ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ، إِذَا غَلَبَ على "ظنهم"** أنه يُضَاهِيَهُ لِمَعْنًى أَوْ يُشْبِهَهُ.

وَرُدَّ٢ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَسَّكُونَ بِكُلِّ ظَنٍّ غَالِبٍ، فَلَا يَبْعُدُ التَّعَبُّدُ مَعَ نَوْعٍ مِنَ الظَّنِّ الْغَالِبِ، وَنَحْنُ "لَا" *** نَعْلَمُ ذَلِكَ النَّوْعَ.

ثُمَّ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى العمومات الدالة على الأمر بالقياس.


* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": ظنه.
*** ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>