للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتَجُّوا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا:

أَنَّ اسْتِقْرَاءَ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّادِرَ فِي كُلِّ بَابٍ يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ، فَإِذَا رَأَيْنَا الْوَصْفَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُغَايِرَةِ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ مُقَارِنًا لِلْحُكْمِ، ثُمَّ رَأَيْنَا الْوَصْفَ حَاصِلًا فِي الْفَرْعِ، وَجَبَ أَنْ يُسْتَدَلَّ "بِهِ"* عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ إِلْحَاقًا لِتِلْكَ الصُّورَةِ بِسَائِرِ الصُّوَرِ.

وَثَانِيهِمَا:

إِذَا رَأَيْنَا فَرَسَ الْقَاضِي وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْأَمِيرِ، غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا كَوْنُ الْقَاضِي فِي دَارِ الْأَمِيرِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ مُقَارَنَتَهُمَا فِي سَائِرِ الصُّوَرِ أَفَادَ ظَنَّ مُقَارَنَتِهِمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ.

وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِأَمْرَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا:

أَنَّ الِاطِّرَادَ: عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْوَصْفِ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ إِلَّا وَيُوجَدُ مَعَهُ الْحُكْمُ، وَهَذَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُكْمَ حَاصِلٌ مَعَهُ فِي الْفَرْعِ، فَإِذَا أَثْبَتُّمْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَأَثْبَتُّمْ عِلِّيَّتَهُ بِكَوْنِهِ مُطَّرِدًا، لَزِمَ الدَّوْرُ وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَثَانِيهِمَا:

أَنَّ الْحَدَّ مَعَ الْمَحْدُودِ، وَالْجَوْهَرَ مَعَ الْعَرْضِ، وَذَاتَ اللَّهِ مَعَ صِفَاتِهِ: حَصَلَتِ الْمُقَارَنَةُ فيها مع عدم العلية.

والجواب "عن الأول"**: أَنَّ نَسْتَدِلَّ بِالْمُصَاحَبَةِ فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرِ الْفَرْعِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ.

وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ غَايَةَ كَلَامِكُمْ حُصُولُ الطَّرْدِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، مُنْفَكًّا عَنِ الْعِلِّيَّةِ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ ظَاهِرًا، كَمَا أَنَّ الْغَيْمَ الرَّطْبَ دَلِيلُ الْمَطَرِ، ثُمَّ عَدَمُ نُزُولِ الْمَطَرِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا.

وَأَيْضًا: الْمُنَاسَبَةُ، وَالدَّوَرَانُ، وَالتَّأْثِيرُ، وَالْإِيمَاءُ قَدْ يَنْفَكُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنِ الْعِلِّيَّةِ،، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي كونها دليلا على العلية ظاهرا "فكذا ههنا"***. انْتَهَى.

وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ الطَّرْدَ وَالدَّوَرَانَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّرْدِ وَالدَّوَرَانِ: أَنَّ الطَّرْدَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْوُجُودِ دُونَ الْعَدَمِ، وَالدَّوْرَانَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُقَارَنَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا.

وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ لِلطَّرْدِ الْمَذْكُورِ فِي "الْمَحْصُولِ" قَالَ الْهِنْدِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا١ فِي كَوْنِ الطَّرْدِ حُجَّةً، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا.


* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** زيادة عن المحصول.
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>