للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ، وَيَنْقُضُهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَلَا يَكُونُ نَقْضُهُ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقُضُهُ عَلَى أَصْلِهِ، وَيَكُونُ أَصْلُ غَيْرِهِ مُخَالِفًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَرِضِ قَدَحَ، حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ.

الْمَذْهَبُ الرَّابِعَ عَشَرَ:

أَنَّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ إِنْ ثَبَتَتْ بِالْمُنَاسَبَةِ، أَوِ الدَّوْرَانِ، وَكَانَ النَّقْضُ بِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا لِمَانِعٍ، لَمْ يَقْدَحْ فِي عِلِّيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّخَلُّفُ لَا لِمَانِعٍ قَدَحَ، حَكَاهُ صَاحِبُ "الْمَحْصُولِ"، وَنَسَبَهُ إِلَى الْأَكْثَرِينَ.

الْمَذْهَبُ الْخَامِسَ عَشَرَ:

أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إِنْ فُسِّرَتْ بِالْمُوجِبَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ عِلِّيَّتُهَا مَعَ الِانْتِقَاضِ، وَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْمُعَرِّفَةِ، فَيُتَصَوَّرُ عِلِّيَّتُهَا مَعَ الِانْتِقَاضِ، وَهَذَا رَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَالْبَيْضَاوِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ، لَا لَفْظِيٌّ، عَلَى كل حال.

قال الزركشي: في "البحر": واعمل أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْعِلَّةِ مَنْقُوضٌ بِكَذَا؛ فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ، وَيُطَالِبُهُ بِالدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَهَذِهِ الْمُطَالَبَةُ مَسْمُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. انْتَهَى١.

قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَيْدِ الدَّافِعِ لِلنَّقْضِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا، بَلْ غَيْرُ الْمُنَاسِبِ مَقْبُولٌ، مَسْمُوعٌ اتِّفَاقًا، وَالْمَانِعُونَ مِنَ التَّعْلِيلِ بِالشَّبَهِ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": هَلْ يَجُوزُ دَفْعُ النَّقْضِ بِقَيْدٍ طَرْدِيٍّ؟ أَمَّا الطَّارِدُونَ فَقَدْ جوزوه، وأما منكرو الطرد فمنهم من جوزوه، وَالْحَقُّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ أَجْزَاءِ العلة إذا لم يكون مُؤَثِّرًا لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعُ الْعِلَّةِ مُؤَثِّرًا، وَهَكَذَا قال إمام الحرمين في "الْبُرْهَانِ"، ثُمَّ اخْتَارَ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَيْدُ الطَّرْدِيُّ يُشِيرُ إِلَى مَسْأَلَةٍ تُفَارِقُ مَسْأَلَةَ النِّزَاعِ بِفِقْهٍ، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْعِلَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يُفِيدُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، قَالَ: وَلَوْ فُرِضَ التَّقْيِيدُ بَاسِمٍ غَيْرِ مُشْعِرٍ بِفِقْهٍ، وَلَكِنْ مُبَايَنَةُ الْمُسَمَّى بِهِ لِمَا عَدَاهُ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ النُّظَّارِ، فَهَلْ يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِمِثْلِهِ تَخْصِيصًا لِلْعِلَّةِ؟ اخْتَلَفَ فيه الجدليون، والأقرب تصحيحه؛ لأنه اصطلاح٢.


١ انظر البحر المحيط ٥/ ٢٧١. ولكنه قال: "وهذه المطالبة ممنوعة بالاتفاق" ففي العبار تحريف.
٢ انظر البحر المحيط ٥/ ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>