للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْجَدَلِيِّينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ: بِأَنَّهُ وُجُودُ الْمَعْنَى فِي صُورَةٍ، مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَالْمُرَادُ: وُجُودُ مَعْنَى تِلْكَ الْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَا يُوجَدُ مَعَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ كَالنَّقْضِ.

وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي "الْمُخْتَصَرِ": الْكَسْرُ: وَهُوَ نَقْضُ الْمَعْنَى، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالنَّقْضِ. وَمِثَالُهُ: أَنْ يُعَلِّلَ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ بِالْمَشَقَّةِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْتَهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ يَنْتَقِضُ بِمَشَقَّةِ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْكَسْرَ غَيْرُ مُبْطِلٍ.

وَأَمَّا جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، مِنْهُمُ: الْفَخْرُ الرَّازِيُّ، وَالْبَيْضَاوِيُّ، فَجَعَلُوهُ مِنَ الْقَوَادِحِ.

قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: الْكَسْرُ نَقْضٌ يَرِدُ عَلَى بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ هُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ الْآمِدِيُّ بِالنَّقْضِ الْمَكْسُورِ. قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ مَرْدُودٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ، إِلَّا إِذَا بَيَّنَ الْخَصْمُ إِلْغَاءَ الْقَيْدِ، وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِالْكَسْرِ إِلَّا إِذَا بَيَّن أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَرْدُودٌ، وَأَمَّا إِذَا بَيَّن، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ قَادِحٌ، وَقَوْلُ الْآمِدِيِّ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ غير قادح مردود.

قال الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "التَّلْخِيصِ": وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَسْرَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ، وَالِاشْتِغَالَ بِهِ يَنْتَهِي إِلَى بَيَانِ الْفِقْهِ، وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ، وَيُسَمُّونَهُ النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالْإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ، وَأَنْكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ، قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ نَقْضٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّقْضِ مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ. انْتَهَى.

وَقَدْ جَعَلُوا مِنْهُ مَا رواه البيهقي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ دُعي إِلَى دَارٍ فَأَجَابَ، ودُعي إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَلَمْ يُجِبْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ كلبا"، فقيل: وفي هذه الدار سنور، فقال: "السنور سبع" ١.


١ أخرجه البيهقي، من حديث أبي هريرة، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة ١/ ٢٤٩ والدارقطني، كتاب الطهارة، باب الأسآر ١/ ٦٣. وابن أبي شيبة، كتاب الطهارات، باب من قال لا يجزء ويغسل منه الإناء ١/ ٤٧ بلفظ "الهر سبع". والحاكم، كتاب الطهارة ١٥/ ١٨٣. وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.
وعيسى بن المسيب تفرد عن أبي زرعة، إلا أنه صدوق ولم يجرح قط.
وتعقبه الذهبي: قلت: قال أبو داود: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وبعهم يسرده مختصرا، وبعضهم يأتي به بقصة. قال الزيلعي في نصب الراية ١/ ١٣٤: قال ابن أبي حاتم في علله، قال أبو زرعة: لم يرفعه أبو نعيم وهو أصح، وعيسى ليس بالقوي، ثم قال: أخرجه العقيلي في "كتاب الضعفاء" من طريقه وقال: لا يتابعه إلا من هو مثله أو دونه. وجاء في التلخيص الحبير ١/ ٢٥ قال ابن الجوزي: لا يصح. وأخرجه ابن عدي في "الكامل" في ترجمة عيسى وقال: هذا لا يرويه غير عيسى بن المسيب بهذا الإسناد ولعيسى بن المسيب غير هذا الحديث وهو صالح فيما يرويه. ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>