وَمِنْهَا: الدَّلِيلُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَقْوَالٍ، يَلْزَمُ مِنْ تَسْلِيمِهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ، ثُمَّ قَسَّمَهُ إِلَى الِاقْتِرَانِيِّ وَالِاسْتِثْنَائِيِّ، وَذَكَرَ الْأَشْكَالَ الْأَرْبَعَةَ وَشُرُوطَهَا، وَضُرُوبَهَا. انْتَهَى. فَلْيُرْجَعْ فِي هَذَا الْبَحْثِ إِلَى ذَلِكَ الْفَنِّ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَجْرِي إِلَّا فِيمَا فِيهِ تَلَازُمٌ، أَوْ تَنَافٍ، فَالتَّلَازُمُ: إِمَّا أن يكون طردا أو عكسا، أي: من الطَّرَفَيْنِ، أَوْ طَرْدًا لَا عَكْسًا، أَيْ: مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، وَالتَّنَافِي لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، لَكِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ: إِثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَإِمَّا طَرْدًا فَقَطْ، أَيْ: إِثْبَاتًا، وَإِمَّا عَكْسًا فَقَطْ، أَيْ: نَفْيًا.
الْأَوَّلُ:
الْمُتَلَازِمَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا، وَذَلِكَ كَالْجِسْمِ وَالتَّأْلِيفِ؛ إِذْ كُلُّ جِسْمٍ مُؤَلَّفٌ، وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ جِسْمٌ، وَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ، وَبَيْنَ النفيين، كلامهما طَرْدًا وَعَكْسًا، كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا كَانَ مُؤَلَّفًا، وَكُلَّمَا كَانَ مُؤَلَّفًا كَانَ جِسْمًا، وَكُلَّمَا لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفًا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا، وَكُلَّمَا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفًا.
الثَّانِي:
الْمُتَلَازِمَانِ طَرْدًا فَقَطْ، كَالْجِسْمِ وَالْحُدُوثِ؛ إِذْ كُلُّ جِسْمٍ حَادِثٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ فِي الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، فَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ طَرْدًا فَيَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا كَانَ حَادِثًا، لَا عَكْسًا، فَلَا يَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ حَادِثًا كَانَ جِسْمًا، وَيَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ النَّفْيَيْنِ، عَكْسًا، فَيَصْدُقُ كُلَّمَا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا، لَا طَرْدًا، فَلَا يَصْدُقُ كُلَّمَا لَمْ يَكُنْ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا.
الثَّالِثُ:
الْمُتَنَافِيَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا، كَالْحُدُوثِ وَوُجُوبِ الْبَقَاءِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي ذَاتٍ، فَتَكُونُ حَادِثَةً وَاجِبَةَ الْبَقَاءِ، وَلَا يَرْتَفِعَانِ، فَيَكُونُ قَدِيمًا غَيْرَ وَاجِبِ الْبَقَاءِ، فَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ، وَبَيْنَ النَّفْيِ وَالثُّبُوتِ، طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ: مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَيَصْدُقُ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ بَقَاؤُهُ، ولو وجب بقاؤه لم يكن حادثا، ولو لَمْ يَكُنْ حَادِثًا فَلَا يَجِبُ بَقَاؤُهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ بَقَاؤُهُ فَلَا يَكُونُ حَادِثًا.
الرَّابِعُ:
الْمُتَنَافِيَانِ طَرْدًا لَا عَكْسًا، إِي: إِثْبَاتًا لَا نَفْيًا، كَالتَّأْلِيفِ وَالْقِدَمِ؛ إِذْ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ هُوَ مُؤَلَّفٌ وَقَدِيمٌ، لَكِنَّهُمَا قَدْ يَرْتَفِعَانِ، كَالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَهَذَا يَجْرِي فِيهِ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ، طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ: مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَيَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا، وَكُلَّمَا كَانَ قَدِيمًا "لَمْ يَكُنْ جِسْمًا، وَلَا يَصْدُقُ كُلَّمَا كَانَ جِسْمًا لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا، وَكُلَّمَا كَانَ قَدِيمًا"* كَانَ جِسْمًا.
الْخَامِسُ:
الْمُتَنَافِيَانِ عَكْسًا، أَيْ: نَفْيًا، كَالْأَسَاسِ وَالْخَلَلِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَرْتَفِعَانِ، فَلَا يُوجَدُ مَا لَيْسَ لَهُ أَسَاسٌ، وَلَا يَخْتَلُّ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي كُلِّ مَا لَهُ أَسَاسٌ قَدْ يَخْتَلُّ بوجه آخر، وهذا يجري
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute