للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ١.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوُجُوبُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْحَجِّ. انْتَهَى.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا لِقَرِينَتِهَا، إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا قَرِينَةُ الْحَجِّ فِي الْأَمْرِ وهو قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، فَكَانَ احْتِجَاجُهُ بِالْأَمْرِ دُونَ الِاقْتِرَانِ.

وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي "شَرْحِ الرِّسَالَةِ"٢: فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ، وَأَنْ يَمَسَّ الطِّيبَ"٣ "فِيهِ"* دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِالسِّوَاكِ، وَالطِّيبِ، وَهَمَّا غَيْرُ وَاجِبَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ.

وَالْمَرْوِيُّ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْهُمْ فِي "الْبَحْرِ" أَنَّهَا إِذَا عُطِفَتْ جُمْلَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ، فَإِنْ كَانَتَا تَامَّتَيْنِ كَانَتِ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ، لَا فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ، "وَقَدْ"** لَا تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةُ أَصْلًا، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} ٤ فإن قوله: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، ولا هي داخل فِي جَوَابِ الشَّرْطِ.

وَإِنْ كَانَتِ الثَّانِيَةُ نَاقِصَةً شَارَكَتِ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا بَنَوْا بَحْثَهُمُ الْمَشْهُورَ فِي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" ٥ وَقَدْ سَبَقَ الكلام فيه.


* في "أ": فهو.
** في "أ": قال.

<<  <  ج: ص:  >  >>