أَعْلَامٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تِلْمِيذُ مَنْ قَبْلَهُ، قَدْ بَلَغُوا مِنَ الْمَعَارِفِ الْعِلْمِيَّةِ مَا يَعْرِفُهُ من يعرف مصنفاتهم حق معرفتنا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ كَبِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُحِيطٌ بِعُلُومِ الِاجْتِهَادِ إِحَاطَةً مُتَضَاعِفَةً، عَالِمٌ بِعُلُومٍ خَارِجَةً عَنْهَا.
ثُمَّ فِي الْمُعَاصِرِينَ لِهَؤُلَاءِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُمَاثِلِينَ لَهُمْ، وَجَاءَ بَعْدَهُمْ مَنْ لَا يَقْصُرُ عَنْ بُلُوغِ مَرَاتِبِهِمْ، وَالتَّعْدَادُ لِبَعْضِهِمْ، فَضْلًا عَنْ كُلِّهِمْ يَحْتَاجُ إِلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ.
وَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ" مَا لَفْظُهُ: وَلَمْ يَخْتَلِفِ اثْنَانُ فِي أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ العيد. انتهى.
و"حكاية"* هَذَا الْإِجْمَاعِ مِنْ هَذَا الشَّافِعِيِّ يَكْفِي فِي مقابلة حكاية الاتفاق من ذلك الشافعي الرافعي. وبالجملة فتطويل الْبَحْثِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَأْتِي بِكَثِيرِ إفادة، فَإِنَّ أَمْرَهُ أَوْضَحُ مِنْ كُلِّ وَاضِحٍ، وَلَيْسَ مَا يَقُولُهُ مَنْ كَانَ مِنْ أُسَرَاءِ التَّقْلِيدِ بلازم لمن فتح الله على أَبْوَابَ الْمَعَارِفِ، وَرَزَقَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ تَقْلِيدِ الرِّجَالِ، وَمَا هَذِهِ بِأَوَّلِ فاقرة١ جاء بها المقلدون، ولا هي أول مقالة قَالَهَا الْمُقَصِّرُونَ.
وَمَنْ حَصَرَ فَضْلَ اللَّهِ عَلَى بَعْضِ خَلْقِهِ، وَقَصَرَ فَهْمَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ عَصْرُهُ، فَقَدْ تَجَرَّأَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ عَلَى شَرِيعَتِهِ الْمَوْضُوعَةِ لِكُلِّ عِبَادِهِ، ثُمَّ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ تَعَبَّدَهُمُ الله بالكتاب والسنة.
ويا لله الْعَجَبَ مِنْ مَقَالَاتٍ هِيَ جَهَالَاتٌ، وَضَلَالَاتٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَسْتَلْزِمُ رَفْعَ التَّعَبُّدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا تَقْلِيدُ الرِّجَالِ، الَّذِينَ هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَتَعَبُّدِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَإِنْ كَانَ التَّعَبُّدُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانُوا فِي الْعُصُورِ السَّابِقَةِ، وَلَمْ يَبْقَ لِهَؤُلَاءِ إِلَّا التَّقْلِيدُ لِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ، وَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ اللَّهِ، مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ التَّفْرِقَةِ الْبَاطِلَةِ، وَالْمَقَالَةِ الزَّائِفَةِ، وَهَلِ النَّسْخُ إِلَّا هَذَا {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} ٢.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute