للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ الَّذِي أَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَيْهِ مِمَّا يَنْقُضُ الْحُكْمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْتِقَالُ، وَإِلَّا جَازَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَنْشَرِحَ لَهُ صَدْرُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاصِدًا لِلتَّلَاعُبِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ نَاقِضًا لِمَا قَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.

وَقَدِ ادَّعَى الْآمِدِيُّ، وابن الحاجب: أنه يجوز قبل العلم، لَا بَعْدَهُ بِالِاتِّفَاقِ.

وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِمَا: بِأَنَّ الْخِلَافَ جار فِيمَا ادَّعَيَا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.

أَمَّا لَوِ اخْتَارَ الْمُقَلِّدُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ عَلَيْهِ، وَالْأَخَفُّ لَهُ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: يُفَسَّقُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يُفَسَّقُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ، كَانَ فَاسِقًا. وَخَصَّ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ التَّفْسِيقَ بِالْمُجْتَهِدِ، إِذَا لَمْ يُؤَدِّ اجْتِهَادُهُ إِلَى الرُّخْصَةِ، وَاتَّبَعَهَا الْعَامِّيُّ الْعَامِلُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ؛ لِإِخَلَالِهِ بِفَرْضِهِ وَهُوَ التَّقْلِيدُ، فَأَمَّا الْعَامِّيُّ إِذَا قَلَّدَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُفَسَّقُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَ مَنْ سُوِّغَ اجْتِهَادُهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: "إِنَّهُ"* يُنْظَرُ إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا اشْتَهَرَ تَحْرِيمُهُ فِي الشَّرْعِ أَثِمَ، وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ.

وَفِي "السُّنَنِ" لِلْبَيْهَقِيِّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: "مَنْ أَخَذَ بِنَوَادِرِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ عَنِ الْإِسْلَامِ". وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "يَتْرُكُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ مَكَّةَ الْمُتْعَةَ، وَالصَّرْفَ، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ السَّمَاعَ، وَإِتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الشَّامِ الْحَرْبَ وَالطَّاعَةَ، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ النَّبِيذَ"١.

وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي٢ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى الْمُعْتَضِدِ٣ فرفع إليَّ كتابا


* ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>