للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا كَانَ دَلِيلُ أَصْلِهِ أقوى بوجه من الوجوه المعتبرة.

٥- وَأَمَّا الْمُرَجِّحَاتُ بِحَسَبِ كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ، فَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ ١:

الْأَوَّلُ:

أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ نَاقِلَةً عَنْ حُكْمِ الْعَقْلِ عَلَى مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ مُقَرَّرَةً، كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّاقِلَةَ أَثْبَتَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَالْمُقَرِّرَةَ لَمْ تُثْبِتْ شَيْئًا.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمُقَرِّرَةَ أَوْلَى؛ لِاعْتِضَادِهَا بِحُكْمِ الْعَقْلِ الْمُسْتَقِلِّ بِالنَّفْيِ، لَوْلَا هَذِهِ الْعِلَّةُ النَّاقِلَةُ، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إِلَى تَرْجِيحِ النَّاقِلَةِ عَنِ الْعَادَةِ، وبه جزم إلكيا؛ لأن النافية مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الشَّرْعِ، وَالْأُخْرَى تَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ الدليل، فلا معارضة بينهما.

وقيل: هنا مُسْتَوِيَانِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بِالْعِلَلِ لَا يَجُوزُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي:

أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ مُثْبِتَةً عَلَى مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ نَافِيَةً، كَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: قَدَّمَ قَوْمٌ الْمُثْبِتَةَ عَلَى النَّافِيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الَّذِي لَا يُثْبِتُ إِلَّا شَرْعًا كَالْإِثْبَاتِ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا أَصْلِيًّا يَرْجِعُ إِلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّاقِلَةِ وَالْمُقَرِّرَةِ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الْعِلَّةِ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ، لِاسْتِوَاءِ الْمُثْبِتِ وَالنَّافِي فِي الِافْتِقَارِ إِلَى الدَّلِيلِ، قَالَ: وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ:

أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا يَقْتَضِي الْحَظْرَ عَلَى مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ:

أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي حَدًّا، وَالْآخَرُ يُسْقِطُهُ، فَالْمُسْقِطُ "مُقَدَّمٌ"*.

الْقِسْمُ الْخَامِسُ:

أن يكون أحدهما يقتضي "العتق"** وَالْآخَرَ يُسْقِطُهُ، فَالْمُقْتَضِي "لِلْعِتْقِ"*** مُقَدَّمٌ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ.

الْقِسْمُ السَّادِسُ:

أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُبْقِيًا لِلْعُمُومِ "عَلَى عُمُومِهِ وَالْآخَرُ مُوجِبًا لِتَخْصِيصِهِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ تَرْجِيحُ مَا كَانَ مُبْقِيًا لِلْعُمُومِ"****؛ لِأَنَّهُ كَالنَّصِّ فِي وُجُوبِ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَمِنْ حَقِّ الْعِلَّةِ أَنْ لَا تَرْفَعَ "النُّصُوصَ"*****، فَإِذَا أَخْرَجَتْ ما اشتمل عليه العام كانت مخالفة للأصول التي


* في "أ": أقدم.
** في "أ": العنف.
*** في "أ": للعنف.
**** ما بين قوسين ساقط من "أ".
***** في "أ": النص

<<  <  ج: ص:  >  >>