للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا عُقِلَ فِيهِ حُسْنٌ يُلْزِمُ بِتَرْكِ مَا هُوَ فِيهِ الْقُبْحُ، كَحُسْنِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ، الْمُسْتَلْزِمِ تَرْكَهُ الْقُبْحَ، الَّذِي هُوَ الْكُفْرَانُ بِالضَّرُورَةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَقْلُ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الشُّكْرِ قَطْعًا، وَإِذَا ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِلَا مَرَدٍّ، لَمْ يَبْقَ لَنَا حَاجَةٌ فِي تَعْيِينِ فَائِدَةٍ، بَلْ نَقْطَعُ بِثُبُوتِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، عِلْمَ عينها أو لا، وَلَوْ مَنَعُوا، يَعْنِي: الْأَشْعَرِيَّةَ اتِّصَافَ الشُّكْرِ بِالْحُسْنِ، واتصاف الكفران بالقبح، لم تصر مسألة عَلَى التَّنَزُّلِ مَعْنًى، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ عَلَى التنزيل.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ انْفِصَالَ الْمُعْتَزِلَةِ بِدَفْعِ ضَرَرِ خَوْفِ الْعِقَابِ إِنَّمَا يَصِحُّ حَامِلًا عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ الشُّكْرُ، وَهُوَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الشُّكْرِ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُمْ بِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ، فَيَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ. قَالَ شَارِحُهُ: لِغَرَابَتِهِ وَسَخَافَتِهِ، كَيْفَ وَيَلْزَمُ مِنْهُ انْسِدَادُ بَابِ الشُّكْرِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَبَعْدَهَا. انْتَهَى.

وَمَنْ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مُؤَلَّفَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا ذَكَرُوا هَذَا الدَّلِيلَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ، فَقَالُوا: مَنْ رَأَى النِّعَمَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، دَقِيقَهَا وَجَلِيلَهَا، وَتَوَاتُرَ أَنْوَاعِهَا خَشِيَ أَنَّ لَهَا صَانِعًا يَحِقُّ لَهُ الشُّكْرُ؛ إِذْ وُجُوبُ شُكْرِ كُلِّ مُنْعِمٍ ضَرُورِيٌّ، وَمَنْ خَشِيَ ذَلِكَ خَافَ مَلَامًا عَلَى الْإِخْلَالِ، وَتَبِعَهُ عَلَى الْإِخْلَالِ ضَرَرٌ عَاجِلٌ، وَالنَّظَرُ كَاشِفٌ لِلْحَيْرَةِ، دَافِعٌ لِذَلِكَ الْخَوْفِ، فَمَنْ أَخَلَّ بِالنَّظَرِ حَسُنَ فِي الْعَقْلِ ذَمُّهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ، فَإِذَا نَظَرَ زَالَ ذَلِكَ الضَّرَرُ، فَيَلْزَمُهُ فَائِدَةُ الْأَمْنِ مِنَ الْعِقَابِ، عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إِمَّا بِأَنْ يَشْكُرَ، وَإِمَّا بأن يكشف له النظر أَنَّهُ لَا مُنْعِمَ، فَلَا عِقَابَ.

هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِمْ فِي الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ.

وَأَمَّا الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ: فَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ صَرَّحَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِأَمْرِ الْعِبَادِ بِشُكْرِ رَبِّهِمْ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي زِيَادَةِ النِّعَمِ، وَالْأَدِلَّةُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَدِلَّةُ النَّبَوِيَّةُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جَدًّا.

وَحَاصِلُهَا: فَوْزُ الشَّاكِرِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفَّقَنَا اللَّهُ تعالى لشكر نعمه، ودفع عنا جميع قمه.

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِلَى هُنَا انْتَهَى مَا أَرَدْنَا جَمْعَهُ، بِقَلَمِ مُؤَلِّفِهِ الْمُفْتَقِرِ إِلَى نِعَمِ رَبِّهِ، الطَّالِبِ مِنْهُ مَزِيدَهَا عَلَيْهِ وَدَوَامَهَا لَهُ، مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّوْكَانِيِّ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ يَوْمَ الأربعاء، لعله الرَّابِعَ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ، سَنَةَ ١٢٣١، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أولًا وآخرصا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله صحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>