للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَرِضَتْ رابِعَةُ مرَّةً، فصارَتْ تُصَلِّي وِرْدَها بالنَّهارِ، فعوفِيَتْ وقد ألِفَتْ ذلكَ وانْقَطَعَ عنها قيامُ الليلِ، فرَأتْ ذاتَ ليلةٍ في نومِها كأنّها أُدْخِلَتْ إلى روضةٍ خضراءَ عظيمةٍ، وفُتحَ لها فيها بابُ دارٍ، فسَطَعَ منها نورٌ حتَّى كادَ يَخْطَفُ بصرَها، فخَرَجَ منها وُصَفاءُ كأنَّ وجوهَهُمُ اللؤلؤُ بأيديهِم مجامرُ، فقالَتْ لهُمُ امرأةٌ كانَتْ معَ رابِعَةَ: أينَ تُريدونَ؟ قالوا: نُريدُ فلانًا قُتِلَ شهيدًا في البحرِ فنُجَمِّرُهُ. فقالَتْ لهُم: أفلا تُجَمِّرونَ هذهِ المرأةَ (تَعْني: رابِعَةَ)؟ فنَظَروا إليها وقالوا: قد كانَ لها حظٌّ من ذلكَ فتَرَكَتْهُ. فالْتَفَتَتْ تلكَ المرأةُ إلى رابِعَةَ وأنْشَدَتْ:

صَلاتُكِ نورٌ وَالعِبادُ رُقودُ … وَنَوْمُكِ ضِدٌّ للِصَّلاةِ عَنيدُ

كانَ بعضُ العلماءِ يقومُ السَّحَرَ، فنامَ عن ذلكَ لياليَ، فرَأى في منامِهِ رجلينِ وَقفا عليهِ وقالَ أحدُهُما للآخرِ: هذا كانَ مِن المستغفرينَ بالأسحارِ فتَرَكَ ذلكَ.

يا مَن كانَ لهُ قلبٌ فانْقَلَب! يا مَن كانَ لهُ وقتٌ معَ اللهِ فذَهَب! قيامُ السَّحَرِ يَسْتَوْحِشُ لك، صيامُ النَّهارِ يُسائِلُ عنك، ليالي الوصالِ تُعاتِبُكَ على الهَجْر.

تَغَيَّرْتُمُ عَنَّا بِصُحْبَةِ غَيْرِنا … وَأظْهَرْتُمُ الهِجْرانَ ما هكَذا كُنَّا

وَأقْسَمْتُمُ ألَّا تَحُولُوا عَنِ الهوى … فَحُلْتُمْ عَنِ العَهْدِ القَديمِ وَما حُلْنا

لَيالِيَ كُنَّا نَسْتَقي مِنْ وِصالِكُمْ … وَقَلْبي إلى تِلْكَ اللَيالِيَ قَدْ حَنَّا

قيلَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ فلانًا نامَ حتَّى أصْبَحَ. فقالَ: "بالَ الشَّيطانُ في أُذنِهِ" (١).

كانَ سَرِيٌّ تقولُ: رَأيْتُ الفوائدَ تَرِدُ في ظلمةِ الليل، ماذا فاتَ (٢) مَن فاتَهُ خيرُ الليل؟ لقد حَصَلَ أهلُ الغفلةِ والنّومِ [على] الحرمان والويل.

كانَ بعضُ السَّلفِ تقومُ بالليلِ، فنامَ ليلةً، فأتاهُ آتٍ في منامِهِ، فقالَ لهُ: قُمْ فصَلِّ، ثمَّ قالَ لهُ: أما عَلِمْتَ أن مفاتيحَ الجنَّةِ معَ أصحابِ الليلِ هُم خزَّانُها؟

وكانَ آخَرُ تقومُ الليلَ، فنامَ ليلةً، فأتاهُ في منامِهِ آتٍ، فقالَ: ما لكَ قَصَّرْتَ في


(١) رواه: البخاري (١٩ - التهجّد، ١٣ - إذا نام ولم يصلّ، ٣/ ٢٨/ ١١٤٤)، ومسلم (٦ - المسافرين، ٢٨ - ما روي فيمن نام الليل، ١/ ٥٣٧/ ٧٧٤)؛ من حديث ابن مسعود.
(٢) في خ: "يا ما فات"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.

<<  <   >  >>