للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّماواتِ والأرضَ".

وفي "صحيح مُسْلِم" (١) عن: عَبْدِ اللهِ بن عَمْرِو بن العاصِ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "إنَّ الله كَتَبَ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ وَالأرضَ بخمسينَ ألفَ سنة، وكانَ عرشُهُ على الماءِ".

ومِن جملةِ ما كَتبَهُ في هذا الذكرِ - وهوَ أُمُّ الكتابِ - أن مُحَمَّدًا خاتمُ النَّبيِّينَ، ومِن حينئذ انْتَقَلَتِ المخلوقاتُ مِن مرتبةِ العلمِ إلى مرتبةِ الكتابةِ، وهوَ نوع مِن أنواعِ الوجودِ الخارجيِّ.

ولهذا قالَ سَعيدُ بنُ راشِدٍ: سَألْتُ عَطاءً: هل كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا قبلَ أنْ يُخْلَقَ (٢)؟ قالَ: إي واللهِ، وقبلَ أنْ تُخْلَقَ الدُّنيا بألفي عامٍ. خَرَّجَهُ أبو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ في كتاب "الشَّريعة". وعطاءٌ الظَّاهرُ أنَّهُ الخُراسانِيُّ. وهذا إشارة (٣) إلى ما ذَكَرْناهُ مِن كتابةِ نبوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - في أُمِّ الكتابِ عندَ تقديرِ المقاديرِ.

• وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ "إنِّي عندَ اللهِ في أُمِّ الكتابِ لَخاتمُ النَّبيِّينَ وإنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ في طينتِهِ" ليسَ المرادُ بهِ - واللهُ أعلمُ - أنَّهُ حينئذ كُتِبَ في أُمِّ الكتابِ ختمُهُ للنَّبيينَ، وإنَّما المرادُ الإخبارُ عن كونِ ذلكَ مكتوبًا في أُمِّ الكتابِ في تلكَ الحالِ قبلَ نفخِ الرُّوحِ في آدَمَ، وهوَ أوَّلُ ما خُلِقَ مِن النَّوعِ الإنسانيِّ.

وجاءَ في أحاديثَ أُخرَ أنَّهُ في تلكَ الحالِ وَجَبَتْ لهُ النُّبوَّة (٤). وهذهِ مرتبة ثالثة، وهيَ انتقالُهُ مِن مرتبةِ العلمِ والكتابةِ إلى مرتبةِ الوجودِ العينيِّ الخارجي؛ فإنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - اسْتُخْرِجَ حينئذ مِن ظهرِ آدَمَ ونُبِّئَ، فصارَتْ نبوَّتُهُ موجودةً في الخارجِ بعدَ كونِها كانَتْ مكتوبة مقدَّرةً في أُمِّ الكتابِ.

ففي حديثِ مَيْسَرَةَ الفَجْرِ قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ! متى كُنْتَ نبيًّا؟ قالَ: "وآدَمُ بينَ


(١) (٤٦ - القدر، ٢ - حجاج آدم وموسى، ٤/ ٢٠٤٤/ ٢٦٥٣).
(٢) في خ: "قبل أن يخلق الخلق"! والصواب ما أثبته من م ون وط.
(٣) في خ: "وهو إشارة"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.
(٤) سيأتي شيء من هذه الأحاديث قريبا.

<<  <   >  >>