للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* وهذا الحديثُ يَدُلُّ على أنَّهُ وُلِدَ بخاتَمِ النُّبوَّةِ بينَ كتفيهِ. وخاتَمُ النُّبوَّةِ مِن علاماتِ نبوَّتِهِ التي كانَ يَعْرِفُهُ بها أهلُ الكتابِ ويَسْألونَ عنها ويَطْلُبونَ الوقوفَ عليها. وقد رُوِيَ أن هِرَقْلَ بَعَثَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَن يَنْظُرُ لهُ خاتَمَ النُّبوَّةِ ثمَّ يُخْبِرُهُ عنهُ (١).

وقد رُوِيَ مِن حديثِ أبي ذَرٍّ وعُتْبَةَ بن عبدٍ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أن الملَكينِ اللذينِ شَقَّا صدرَهُ ومَلآهُ حكمةً هُما اللذانِ خَتَماهُ بخاتمِ النُّبوَّةِ (٢). وهذا يُخالِفُ حديثَ عائِشَةَ هذا.


= يحيى بن علي بن عبد الحميد الكناني، عن ابن إسحاق، كان هشام بن عروة، يحدّث عن أبيه، عن عائشة … فذكرته. قال الحاكم: "صحيح". وردّه الذهبي بقوله: "لا". قلت: يحيى ما وقفت له على ترجمة، وابن إسحاق عنعن علي تدليسه وسياقه للسند بصورة ظاهرة الانقطاع.
ورواه ابن سعد (١/ ١٦٢) عن أبي عبيدة بن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر وغيره، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة … فذكره. وهذا سند ضعيف، أبو عبيدة لم أقف له على ذكر إلا هنا.
ومثل هذين السندين لا يقوّي أحدهما الآخر لاتّحادهما في العلّة - وهي جهالة الذي حمل هذا الخبر عن هشام -، والغالب أنّ ابن إسحاق قد تلقّى هذا عن أبي عبيدة أو عمّن تلقّى منه.
(١) (منكر). رواه: أبو عبيد في "الأموال" (٦٢٥)، وأحمد (٣/ ٤٤١)، وابن زنجويه في "الأموال" (١٠٤ و ٩٦١)، وعبد الله بن أحمد (٤/ ٧٤ و ٧٥)، وأبو يعلى (١٥٩٧)، وابن جرير (٧٨٣٠)، وابن أبي حاتم (القصص ٥٧ - ابن كثير)، والبيهقي في "الدلائل" (١/ ٢٦٦)؛ من طريق قويّة، عن سعيد بن أبي راشد، عن التنوخيّ رسول قيصر … فذكره.
قال ابن كثير مرّة: "غريب وإسناده لا بأس به". ومرّة: "غريب وإسناده حسن". وقال الهيثمي (٨/ ٢٣٩): "رجال أبي يعلى ثقات ورجال عبد الله بن أحمد كذلك". قلت: سعيد بن أبي راشد مجهول. والتنوخي شيخ عجوز فنّده الهرم والمرض وهو نصرانيّ، فلو سلّمنا أنّ روايته هذه مقبولة على مبدأ "الفضل ما شهدت به الأعداء"، وأنّ هذا ينوب مناب العدالة؛ فإنّ شرط الضبط منه غير متحقّق وروايته لا يؤمن فيها التخليط، وهذا ما وقع هنا، فقد جاء الرجل بمتن فيه نكارة في غير ما موضع ومخالفة لرواية الصحيحين في كتاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل. فالسند واه والمتن منكر.
(٢) (صحيح). أمّا حديث أبي ذرّ في هذا؛ فرواه: الدارمي (١/ ٩)، والبزّار (٩/ ٤٣٧/ ٤٠٤٨)، والطبري في "التاريخ" (١/ ٥٣٤)، والعقيلي (١/ ١٨٣)، واللالكائي في "أصول الاعتقاد" (١٤٠٥)، وأبو نعيم في "الدلائل" (١٦٧)، وابن عساكر (٣/ ٤٦٠)؛ من طريق جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي، ثني عمر بن عروة بن الزبير، سمعت عروة يحدّث، عن أبي ذرّ … رفعه.
قال العقيلي: "لا يتابع عليه". ووافقه الذهبي والعسقلاني. وقال الهيمي (٨/ ٢٥٩): "فيه جعفر بن عبد الله بن عثمان وثّقه أبو حاتم الرازي وابن حبّان وتكلّم فيه العقيلي". قلت: جعفر صدوق حسن الحديث، وإنّما العلّة في رواية عروة عن أبي ذرّ؛ فإنّ ظاهرها الإرسال. لكن يشهد له حديث عتبة بن عبد السلمي الآتي بعده وحديث شدّاد بن أوس عند ابن عساكر (٣/ ٤٦٦) بسند ضعيف.
وأمّا حديث عتبة بن عبد السلميّ؛ فتقدّم آنفًا أنّه حسن.

<<  <   >  >>