للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيهِ أيضًا عنها؛ قالَتْ: رَجَعَ إليَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يومٍ مِن جنازةٍ بالبقيعِ، وأنا أجِدُ صداعًا في رأْسي، وأنا أقولُ: وارأْساه! قالَ: "بل أنا وارأْساه! ". ثمَّ قالَ: "ما ضَرَّكِ لوْ مُتَ قبلي فغَسَّلْتُكِ وكَفَّنْتُكِ ثمَّ صَلَّيْتُ عليكِ ودَفَنْتُكِ؟ ". فقُلْتُ: لكأنِّي بكَ واللهِ لو فَعَلْتَ [ذلكَ]؛ لقدْ رَجَعْتَ إلى بيتي فأعْرَسْتَ فيهِ ببعضِ نسائِكَ. فتبَسَّمَ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ بُدِئَ في وجعِهِ الذي ماتَ فيهِ (١).

فقد تَبَيَّنَ أن أوَّلَ مرضِهِ [كانَ] صداعَ الرَّأْسِ.

والظَّاهرُ أنّهُ كانَ معَ حمَّى؛ فإنَّ الحمَّى اشْتَدَّتْ بهِ في مرضِهِ الذي ماتَ فيهِ، فكانَ يَجْلِسُ في مِخْضَبٍ، ويُصَبُّ عليهِ الماءُ مِن سبعِ قِرَب لمْ تُحْلَلْ أوْكِيَتُهُنَّ؛ يَتبَرَّدُ بذلكَ (٢). وكانَ عليهِ قطيفةٌ، وكانَتْ حرارةُ الحمَّى تُصيبُ مَن وَضَعَ يدَهُ عليهِ مِن فوقِها،


= (٤٩٦٢)، والبيهقي في "السنن" (٧/ ٢٩٨) مختصرًا و"الدلائل" (٧/ ٢١٣ - ٢١٤)؛ من طرق، عن أبي عمران الجوني، ثنا يزيد بن بابنوس، سمعت عائشة … فذكرته.
قال الهيثمي (٩/ ٣٦): "رجال أحمد ثقات". قلت: يزيد بن بابنوس لم يرو عنه إلّا أبو عمران، لكنّهم وثقوه، فأرجو أنّ حديثه هذا حسن، وقد صحّ كثير من مفرداته من أوجه مختلفة.
(١) (صحيح). رواه: ابن إسحاق (٦/ ٥٥ - ابن هشام)، وأحمد (٦/ ٢٢٨)، والدارمي (١/ ٣٧)، وابن ماجه (٦ - جنائز، ٩ - غسل الرجل امرأته، ١/ ٤٧٠/ ١٤٦٥)، والطبري في "التاريخ" (٢/ ٢٢٦)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٧٠٧٩ و ٧٠٨٠) و "الوفاة" (٣ و ٤)، وأبو يعلى (٤٥٧٩)، وابن حبّان (٦٥٨٦)، والدارقطني (٢/ ٧٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٣٩٦) و"الدلائل" (٧/ ١٦٨ - ١٦٩)، وابن الجوزي في "أحاديث الخلاف" (٨٥٩)؛ من طريق محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة … رفعته.
وهذا سند يمكن إعلاله من أوجه ثلاثة: أوّلها: عنعنة ابن إسحاق، ولكنّه صرّح بالتحديث في "السيرة" فأمنّا تدليسه. ثمّ إنّه لم يتفرّد به، بل تابعه عليه صالح بن كيسان كما تقدّم آنفًا. والثاني: قول ابن الجوزيّ: "لم يقل "غسلتك" إلّا محمّد بن إسحاق وقد كذبه مالك". قلت: محمّد بن إسحاق صدوق، ولم يلتفت الأئمّة إلى تكذيب مالك له فإنّه لم يعرفه، فزيادته مقبولة بعد تصريحه بالتحديث، ولا سيّما أنّ لفظة "غسّلتك" بمعنى لفظة "هيّأتك" المتقدّمة عن ابن كيسان. والثالث: أنّ رواية النسائي الثانية جاءت بزيادة عروة بين عبيد الله وعائشة، والغالب أنّها خطأ، فإن كانت محفوظة فهي من المزيد في متصل الأسانيد، وليس هذا بالقادح.
فهذا اللفظ حسن من هذا الوجه، صحيح بطريق صالح بن كيسان المتقدّمة، وقد قوّاه ابن حبّان والبوصيري والعسقلاني والألباني.
(٢) رواه: البخاري (٤ - الوضوء، ٤٥ - الغسل والوضوء في المخضب، ١/ ٣٠٢/ ١٩٨)، ومسلم (٤ - الصلاة، ٢١ - استخلاف الإمام إذا عرض عذر، ١/ ٣١١/ ٤١٨)؛ من حديث عائشة. واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>