للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَسْعودٍ وغيرُهُ يقولونَ: إنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ماتَ شهيدًا مِن السُّمِّ.

وقالَتْ عائشةُ: ما رَأيْتُ أحدًا كانَ أشدَّ عليهِ الوجعُ مِن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (١).

وكانَ عندَهُ في مرضِهِ سبعة دنانيرَ، فكانَ يَأْمُرُهُم بالصَّدقةِ بها ثمَّ يُغْمى عليهِ فيَشْتَغِلونَ بوجعِهِ، فدَعا بها فوَضَعَها في كفِّهِ وقالَ: "ما ظنُّ مُحَمَّدٍ بربِّهِ لو لَقِيَ الله وعندَهُ هذهِ؟ ". ثمَّ تَصَدَّقَ بها كلِّها (٢). فكيفَ يَكونُ حالُ مَن لَقِيَ الله وعندَهُ دماءُ المسلمينَ وأموالُهُمُ المحرَّمةُ وما ظنّهُ بربِّهِ؟!

ولم يَكُنْ عندَهُم في مرضِهِ دهنٌ للمصباحِ يوقَدُ فيهِ. فلمَّا اشْتَدَّ وجعُهُ ليلةَ الاثنينِ؛ أرْسَلَتْ عائِشَةُ بالمصباحِ إلى امرأةٍ مِن النِّساءِ، فقالَتْ: قَطِّري لنا في مصباحِنا مِن عُكَّةِ السَّمنِ؛ فإنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أمسى في جديدِ الموتِ (٣).

وكانَ عندَ عائِشَةَ إزارٌ غليظ ممَّا يُصْنَعُ باليمنِ، وكساءٌ مِن المُلَبَّدَةِ، فكانَتْ تُقْسِمُ


= العسقلاني: "وله شاهدان مرسلان أيضًا أخرجهما إبراهيم الحربيّ في "غرائب الحديث" له، أحدهما من طريق يزيد بن رومان والآخر من رواية أبي جعفر الباقر. وللحاكم موصول من حديث أُم مبشّر قالت: قلت: يا رسول الله! ما تتّهم بنفسك؛ فإنّي لا أتّهم بابني إلّا الطعام الذي أكل بخيبر؟ فقال: "وأنا لا أتّهم غيرها، وهذا أوان انقطاعِ أبهري". وروى ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد معدّدة في قصّة الشاة التي سمّت له بخيبر، فقال في آخر ذلك: … ما زلت أجد ألم الأكلة التي أكلتها بخيبر عدادًا حتّى كان هذا أوان انقطاع أبهري". وبالجملة؛ فحديث عائشة حسن لذاته صحيح بالشواهد التي ذكرها العسقلاني.
(١) رواه: البخاري (٧٥ - المرضى، ٢ - شدّة المرض، ١٠/ ١١٠/ ٥٦٤٦)، ومسلم (٤٥ - البرّ، ١٤ - ثواب المؤمن فيما يصيبه، ٤/ ١٩٩٠/ ٢٥٧٠).
(٢) (صحيح). رواه: الحميدي (٢٨٣)، وابن سعد (٢/ ٢٣٧ و ٢٣٨)، وابن أبي شيبة (٣٤٣٦٠)، وأحمد (٦/ ٤٩ و ٨٢ و ٨٦ و ١٠٤)، وهنّاد (٦٣٤)، والطبري في "التهذيب" (٤٣٢ و ٤٣٣ و ٤٣٨)، وابن حبّان (٧١٥ و ٣٢١٢)، وأبو الشيخ في "الأخلاق" (٨٧٢)، وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٢٥٧)، والبيهقي (٦/ ٣٥٦) وفي "الدلائل" (١/ ٣٤٦)، والبغوي في "السنّة" (١٦٥٨)؛ من طرق ثلاث، عن عائشة … رفعته.
قال الهيثمي (١٠/ ٢٤٣): "رواه أحمد بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح". قلت: إحدى طرقه صحيحة والأُخرى حسنة وفي الثالثة ضعف، والحديث صحيح غاية باجتماع طرقه. وله شاهد قويّ عند ابن سعد (٢/ ٢٣٧) من حديث المطّلب بن حنطب مرسلًا، يزيده قوّة. وقد قوّاه ابن حبّان والهيثمي والألباني.
(٣) (صحيح). رواه: ابن سعد (٢/ ٢٣٩)، والطبراني (٦/ ١٩٨/ ٥٩٩٠)؛ من طريق قويّة، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، [عن عائشة] … به.
قال المنذري والهيثمي (٣/ ١٢٧): "رجاله ثقات محتجّ بهم في الصحيح". قلت: ولا يضرّه الاختلاف في إثبات عائشة وإسقاطها، فقصاراه أن يكون من مراسيل الصحابة. وهي حجّة على المعتمد.

<<  <   >  >>